جنابك محفوظ وسعدك سافر – لسان الدين الخطيب

جنابك محفوظ وسعدك سافر … وحزبك ظافر

وفعلك للصنع الجميل محالف … ورأيك للنجح المبين مؤازر

وصرح علاك في سراوة يعرب … تبيد الليالي دونه وهو عامر

يطل على أوج السماك عماده … ولا طنب إلا العلى والمفاخر

وألبست سيمى المجد في المهد ناشئا … وسدت وما شدت عليك المآزر

وقد تعلم الغايات من بدآتها … وتظهر في أولى الأمور الأواخر

وعالج داء الدهر منك مجرب … طبيب بأدواء السياسة ماهر

فأنت لحبل الملك لا شك واصل … وأنت لصدع الدين لا شك جابر

تروم الأبيات الصعاب فتنثني … ليان الهوادي وهي شمس نوافر

وتقبس من نور الإلاه هداية … فتبصر بدءا ما له الأمر صائر

وكم فتكة في الروم بكر جلوتها … منصاتها للمسلمين المنابر

تهادى وألفاف البنود خدورها … وتقدمها عند الزفاف البشائر

ولما استجارتك الجزيرة والردى … محيط وغصت بالقلوب الحناجر

وحجبتها بالسيف عن كل ظالم … ….

وكيف له بالقرب منها وإنها … لتأوي إلى إيمانها وهو كافر

وقد كثرت في الروم من فتكاتها … عداد اليتامى والأيامى الحرائر

وطالت لها الرنات في أرض رومة … كما زحفت عند الغناء المزامر

ولله منها في الوجود جزيرة … شكتها بمنبت الشمال الجزائر

وليس عجيبا أن تغص عقيلة … بأخرى وتشكو بالضرار الضرائر

وصابرت شطر الحول إلا أقله … تراوح أحزاب العدا وتباكر

فعز مرام الروم في كل حيلة … وأصبح في الحصر العدو المحاصر

قصرت عليها النفس غير معرج … على ذكر من ضمت عليه المقاصر

وخاطرت بالنفس النفيسة دونها … وهل فاز بالأخطار إلا المخاطر

وما كان يدري قيمة الدر ربه … لو التزمت أصدافهن الجواهر

عبرتهما بحرين بحرا من العدا … وبحرا من اللج الذي هو زاخر

ولما تبدت للمحاق حجبتها … تصادم فيهن الجوى وتصادر

تلوح إياة البدر والليل حالك … فتبصرنا نسعى له ونبادر

وهيهات أين البدر منك إذا بدا … وكيف يجوز اللبس والفرق ظاهر

ولكنها منا تعله وارد … بحار الأماني أعوزته المصادر

فيا ليلة الاثنين كم لك من يد … لموقعها الإسلام والله شاكر

قدمت كما وافى على الكبرة الصبا … وجادت على المحل السحاب المواطر

وإلا كما لذ الأمان لخائف … وواصل من بعد القطيعة هاجر

وأطلع منك الفلك شمسا منيرة … لها فلك بالعلم والحلم دائر

ورامت بك الأعداء كل بعيدة … من المكر لم تخطر عليها الخواطر

وفيت وخانوا والوفاء غريزة … وما يستوي في الدهر واف وغادر

وما هذه الأبصار تعمى حقيقة … ولكنها تعمى النهى والبصائر

لقد لبس الأذفنش منها ملاءة … من اللؤم تأباها الملوك الأكابر

وأسرع ينضو ثوبها متنصلا … وربك يدري ما تكن الضمائر

فقابلت بالصفح الجميل اعتذاره … وإن عظمت منه إليك الجرائر

فإنك أولى من يقود إلى الرضا … وأحلم من تلقى إليه المعاذر

ألا فاشكروا يا أهل أندلس يدا … ليوسف لا يحصي لها الفخر حاصر

ألا فالثموا منه الدروع فإنها … وسائل للغفران هذي المغافر

ألا فاشكروا تلك الكتائب واجعلوا … محاريب ما تبديه منها الحوافر

هنيئا أمير المسلمين بأوبة … أهل بها لله باد وحاضر

يلذ على الأفواه ترداد ذكرها … كما شار مقطوفا من الشهد شائر

ودونكها حسناء أما جمالها … فبدع وأما الطرف منها فساحر

تبين المعالني في سواد مدادها … كما سترت زهر الوجوه الغدائر