جاء نيروزنا وأنت مراده – المتنبي

جَاءَ نَيرُوزُنَا وَأنتَ مُرَادُهْ … وَوَرَتْ بالذي أرَادَ زِنادُهْ

هَذِهِ النّظْرَةُ التي نَالَهَا مِنْـ … ـكَ إلى مِثْلِها من الحَوْلِ زَادُهْ

يَنْثَني عَنكَ آخِرَ اليَوْمِ مِنْهُ … نَاظِرٌ أنْتَ طَرْفُهُ وَرُقَادُهْ

نحنُ في أرْضِ فارِسٍ في سُرُورٍ … ذا الصّبَاحُ الذي نرَى ميلادُهْ

عَظّمَتْهُ مَمَالِكُ الفُرْسِ حتى … كُلُّ أيّامِ عَامِهِ حُسّادُهْ

مَا لَبِسْنَا فيهِ الأكاليلَ حتى … لَبِسَتْهَا تِلاعُهُ وَوِهَادُهْ

عندَ مَنْ لا يُقاسُ كسرَى أبوسا … سانَ مُلْكاً بهِ وَلا أوْلادُهْ

عَرَبيٌّ لِسَانُهُ فَلْسَفيٌّ … رَأيُهُ فَارِسِيّةٌ أعْيَادُهْ

كُلّمَا قالَ نائِلٌ أنَا مِنْهُ … سَرَفٌ قالَ آخَرٌ ذا اقْتِصادُهْ

كَيفَ يرْتَدّ مَنكِبي عن سَمَاءٍ … والنِّجادُ الذي عَلَيْهِ نِجَادُهْ

قَلّدَتْني يَمينُهُ بحُسَامٍ … أعقَبَتْ منهُ وَاحِداً أجْدادُهْ

كُلّمَا استُلَّ ضاحَكَتْهُ إيَاةٌ … تَزْعُمُ الشّمسُ أنّهَا أرْآدُهْ

مَثَّلُوهُ في جَفْنِهِ خِيفَةَ الفَقْـ … ـدِ فَفي مِثْلِ أثْرِهِ إغْمَادُهْ

مُنْعَلٌ لا مِنَ الحَفَا ذَهَباً يَحْـ … ـمِلُ بَحراً فِرِنْدُهُ إزْبَادُهْ

يَقْسِمُ الفَارِسَ المُدَجَّجَ لا يَسْـ … ـلَمُ مِنْ شَفْرَتَيْهِ إلاّ بِدادُهْ

جَمَعَ الدّهْرُ حَدَّهُ ويَدَيْهِ … وَثَنَائي فاستَجمَعَتْ آحَادُهْ

وَتَقَلّدْتُ شامَةً في نَداهُ … جِلْدُها مُنْفِساتُهُ وَعَتَادُهْ

فَرّسَتْنَا سَوَابِقٌ كُنَّ فيهِ … فارَقَتْ لِبْدَهُ وَفيها طِرَادُهْ

وَرَجَتْ رَاحَةً بِنَا لا تَرَاهَا … وَبلادٌ تَسيرُ فيهَا بِلادُهْ

هل لِعُذري عند الهُمامِ أبي الفضْـ … ـلِ قَبُولٌ سَوَادُ عَيني مِدادُهْ

أنَا مِنْ شِدّةِ الحَيَاءِ عَليلٌ … مَكْرُماتُ المُعِلِّهِ عُوّادُهْ

مَا كَفاني تَقصِيرُ ما قُلتُ فيهِ … عن عُلاهُ حتى ثَنَاهُ انْتِقَادُهْ

إنّني أصْيَدُ البُزاةِ وَلَكِنّ … أجَلّ النّجُومِ لا أصْطادُهْ

رُبّ ما لا يُعَبِّرُ اللّفْظُ عَنْهُ … وَالذي يُضْمِرُ الفُؤادُ اعتِقادُهْ

ما تَعَوّدتُ أن أرَى كأبي الفضْـ … ـلِ وَهَذا الذي أتَاهُ اعتِيادُهْ

إنّ في المَوْجِ للغَرِيقِ لعُذْراً … وَاضِحاً أنْ يَفُوتَهُ تَعْدادُهْ

للنّدَى الغَلبُ إنّهُ فاضَ وَالشّعْـ … ـرُ عِمادي وَابنُ العميدِ عِمادُهْ

نَالَ ظَنّي الأُمُورَ إلاّ كَريماً … لَيْسَ لي نُطْقُهُ وَلا فيّ آدُهْ

ظالِمُ الجُودِ كُلّما حَلّ رَكْبٌ … سِيمَ أنْ تحمِلَ البِحارَ مَزَادُهْ

غَمَرَتْني فَوَائِدٌ شَاءَ فيها … أنْ يكونَ الكلامُ مِمّا أُفَادُهْ

مَا سَمِعْنَا بمَنْ أحَبّ العَطَايَا … فاشتَهَى أنْ يكونَ فيهَا فُؤادُهْ

خَلَقَ الله أفْصَحَ النّاسِ طُرّاً … في مَكانٍ أعْرَابُهُ أكْرَادُهْ

وَأحَقُّ الغُيُوثِ نَفْساً بحَمْدٍ … في زَمانٍ كلُّ النّفوسِ جَرَادُهْ

مِثلَمَا أحدَثَ النّبُوّةَ في العَا … لَمِ وَالبَعْثَ حِينَ شاعَ فَسَادُهْ

زَانَتِ اللّيْلَ غُرّةُ القَمَرِ الطّا … لعِ فيهِ وَلم يَشِنْهَا سَوَادُهْ

كَثُرَ الفِكْرُ كيفَ نُهدي كما أهْـ … ـدَتْ إلى رَبّها الرّئيسِ عِبَادُه

وَالذي عِندَنَا مِنَ المَالِ وَالخَيْـ … لِ فَمِنْهُ هِبَاتُهُ وَقِيَادُهْ

فَبَعَثْنَا بِأرْبَعِينَ مِهَاراً … كلُّ مُهْرٍ مَيْدانُهُ إنْشَادُهْ

عَدَدٌ عِشْتَهُ يَرَى الجِسْمُ فيهِ … رَباً لا يَرَاهُ فِيمَا يُزَادُهْ

فَارْتَبِطْهَا فإنّ قَلْباً نَمَاهَا … مرْبِطٌ تَسْبِقُ الجِيادَ جيادُهْ