تَجَنّى عَلَيْنا طَيفُها حينَ أُرْسِلا – الأبيوردي

تَجَنّى عَلَيْنا طَيفُها حينَ أُرْسِلا … وَهَلْ يَتَجَنّى الحِبُّ إلاّ لِيَبْخَلا؟

يَعُدُّ، وَلم أُذْنِبْ، ذُنوباً كَثيرَة ً … تَلَقَّفَها مِنْ كاشِحٍ أَو تَمَحَّلا

ولي هِمَّة ٌ تَأبَى ، وَلِلْحُبِّ لَوْعَة ٌ … أَضُمُّ عَلَيها القَلْبَ أَنْ أَتَنَصَّلا

أَتَحْسَبُ تلكَ العامِريَّة ُ أَنّني … أَذِلُّ، وَيَأْبَى المَجْدُ أَنْ أَتَذَللاَّ

وَتَزْعُمُ أَنّي رُضْتُ قَلْبي لِسَلْوَة ٍ … إذاً لا أقالَ اللّهُ عَثْرَة َ مَنْ سَلا

أَما عَلِمَتْ أَنَّ الهَوى يَسْتَفِزُّني … إذا الرَّكْبُ مِنْ نَحْوِ الجُنَيْنَة ِ أَقْبَلا

وَأَرْتاحُ لِلْبَرْقِ اليَماني صَبابَة ً … وَأَنْشَقُ خَفَّاقَ النَّسيمِ تَعَلُّلا

حَلَفْتُ لِرَعْيِ الوُدِّ لا لِضَراعَة ٍ … يُكَلِّفُها الحُبُّ الغَوِيَّ المُضَلَّلا

بِصُعْرٍ تَبارَتْ في الأزِمَّة ِ شُمَّذٍ … تَؤُمُّ بنا فَجَّاً مِنَ الأَرْضِ مَجْهَلا

طلَعْنَ بُدوراً بِالفَلا وَهْيَ بُدَّنٌ … وَعُدْنَ كَأَشْباحِ الأَهِلّة ِ نُحَّلا

عليهنَّ شُعْثٌ من ذُؤابَة ِ غالِبٍ … ضَمِنْتُ لَهُمْ أَنْ نَمْسَحَ الرُّكْنَ أَولاَّ

يُميلُ الكَرى منهمْ عَمائِمَ لاثَها … على المَجْدِ أَيْدٍ تَخْلُفُ الغَيْثُ مُسْبِلا

فَلَسْنا نَرى إلاّ كَريماً يَهزُّهُ … حُداءٌ سَرى عَنهُ رِداءً مُهَلْهَلا

لَئِنْ صَافَحَتْ أُخْرى على نَأُي دارِها … يَميني، فلا سَلَّتْ على القِرْنِ مُنْصُلا

وَقُلْتُ ضِياءُ المِلَّة ِ اخْتَطَّ عَزْمُهُ … لِهِمَّتِهِ دونَ السِّماكِيْنِ مَنْزِلا

ولم يَتْرُكِ الضِّرْغامَ في حَوْمَة ِ الوَغى … جَباناً، وَلا صَوْبَ الغَمامِ مُبَخَّلا

ولا اخْضَرَّ واديهِ، على حينَ لاتَرى … مَراداً لِعيسٍ شَفَّها الجَدْبُ مُبْقِلا

فَتى ً شرِقَتْ بِالبِشْرِ صَفْحَة ُ وَجْههِ … كَأَنَّ عليها البَدْرَ حينَ تَهَلَّلا

هُوَ الغَيْثُ يُرْوي غُلَّة َ الأَرْضِ مُسبِلا … هُوَ اللَّيْثُ يَحمي ساحَة َ الغابِ مُشْبِلا

يُلاذُ بِهِ وَاليَوْمُ قانٍ أَديمُهُ … وَيُدْعَى إذا ما طارِقُ الخَطبِ أَعْضَلا

لَهُ إمْرَة ٌ عِنْدَ المُلوكِ مُطاعَة ٌ … وَرَأْيٌ بهِ يَسْتَقْبِلُ الأَمرَ مُشْكِلا

كَأَنَّ نُجومَ الأُفقِ يَتَبْعنَ أَمْرَهُ … فَلَوْ خالَفَتْهُ عادَ ذو الرُّمْحِ أَعْزَلا

لَقى ً دونَ أدنى شَأْوِهِ كُلُّ طَالبٍ … وَهَلْ غاية ٌ ضَمَّتْ حُبارى وَأَجْدَلا

فَحَظُّ مُجاريهِ إِذا جَدَّ جَدُّهُ … على إثرِهِ أَنْ يَملأَ العَيْنَ قَسْطَلا

أَتَى العيدُ طَلْقَ المُجْتلى فَتَلَقَّهُ … بِوَجْهٍ يَروقُ النَّاظِرَ المُتَأَمِّلا

وَضَحِّ بِمَنْ يَطْوي على الحِقْدِ صَدْرِهُ … فَإنّكَ مَهْما شِئْتَ وَلاّكَ مَقْتَلا

وَأَرْعِ عِتاباً تَحْتَهُ الوُدُّ كامِنٌ … مَسامِعَ يَمْلأْنَ الثَّناءَ المُنَخَّلا

أَرَى مَللاً حَيثُ التَفَتُّ يُهيبُ بي … وَما كُنتُ أَخْشَى أَنْ أُفارِقَ عَنْ قِلى

فَلَقَّيْتَني سُوءاً، لَقيتَ مَسَرَّة ً … وَخَيَّبْتَ آمالي ، بَقيتَ مُؤَمَّلا

أَمِنْ كَذِبِ الواشي وَتَكْثيرِ حَاسِدٍ … إِذا لَمْ يَجِدْ قَوْلاً صَحيحاً تَقَوَّلا

رَمَيْتَ بِنا مَرْمَى الغريبة ِ جُنِّبَتْ … عَلَى غُلَّة ٍ تُدمي الجَوانِحَ، مَنهَلا

وَأَطْمْعتَ في أَعْراضِنا كُلَّ كاشِحٍ … يُجَرِّعُهُ الغَيْظُ السِّمامَ المُثَّملا

وَراءَكَ إنّي لَستُ أَغْرِسُ نَخْلَة ً … لأَجنِيَ منها حِينَ تُثْمِرُ حَنْظَلا

أَيَجْمُلُ أَنْ أُجْفَى فَآتِيَ مُغْضَباً … وَتَأْتِيَ ما لا تَرْتَضِيهِ لَنا العُلا

وَأَسْهَرُ في مَدْحي لِغَيْرِكَ ضَلَّة ً … وَأَدْعو سِواكَ المُنْعِمَ المُتَطَوِّلا

وَكُلُّ امرئٍ تَنْبو بِهِ الدَّارُ مُطْرِقٌ … على الهُونِ مَا لَمْ يَنوِ أَنْ يَتَحَوَّلا

وَها أَنا أَزْمَعْتُ الفِراقَ ، وفي غَدٍ … نَميلُ بَصدْرِ الأَرْحَبِيِّ إلى الفَلا

فَمَنْ ذا الذي يُهْدي إِليكَ مَدائِحاً … كَما أَسْلَمَ السِّلْكُ الجُمانَ المُفَصَّلا

بِنَثْرٍ يَمُجُّ السِّحْرَ طَوْراً ، وَتارَة ً … بِنَظْمٍ إِذا ما أَحْزَنَ الشِّعْرُ أَسْهَلا

فَمُصْبَحُهُ يَجْلو بِهِ الفَجْرُ مَبْسِماً … وَمُمْساهُ تُلْقى عِنْدَهُ الشَّمْسُ كَلْكَلا

وَنِعْمَ المُحامي دونَ مَجْدِكَ مِقْوَلي … بِهِ أُلْقِمَتْ قَسْراً أَعادِيكَ جَنْدَلا

بَقيِتَ لِمَنْ يَبْغي نَوالَكَ مَلْجَأً … وَدُمْتَ لِمَنْ يَرْجو زَمانَكَ مَوْئِلا