تعاليتَ من فاتحِ خاتمِ – حيدر بن سليمان الحلي

تعاليتَ من فاتحِ خاتمِ … عليمٍ بما كانَ مِن عالمِ

فيا صفوة َ اللهِ من هاشِم … “تخيَّرك اللهُ من آدمِ

بك الكونُ آنسَ منهُ مجيئا … وفيكَ غدا لا بِه مُستضيئا

لأنَّك مد جاء طَلقاً وضيئا … “بجبهتِه كنت نوراً مُضيئا

فمِن أجلِ نورِك قد قَرَّبا … إلهُ السما آدماً واجتبى

نعم والسجودَ له أوجَبا … «لذلك إبليسُ لمَّا أبى

وساعة َ أغراهُ في إفكِه … بأكلِ الذي خُصَّ في تَركِه

عصى فنجى بك من هُلكِه … «ومَع نوح إذ كنتَ في فُلكِه

وسارة ُ في ظِلِّك المُستطيل … غداة َ غدا حمُلها مستَحيل

باسحاقَ بشَّرهاجبرئيل … «وخلَّل نورُك صلبَ الخليل

حُملتَ بصلبِ أمينٍ أمين … إلى أن بُعثتَ رسولاً مُبين

وهل كيف تُحمَلُ في المشركين … «ومنكَ التقلُّبُ في الساجدين

بَراكَ المهيمنُ إذ لا سماء … ولا أرضَ مدحوَّة ً لا فضاء

ومُذ خُلِقَ الخلقُ والأنبياء … «سواكَ من الرسلِ في ايلياء

وكلٌّ رأى الله لم يُحذِه … عُلاكَ وعلمَكَ لم يُغذِه

فنزَّه عهدَك عن نبذِه … «فجئت من الله في أخذِه

صدعتَ به والورى في عماء … فخفَّت بمجِدكَ جُندُ السماء

ورفَّ عليك لواءُ الثناء … «وفي الحشرِ للحمدِ ذاكَ اللِواء

وحينَ عرجتَ لأسنا مُقام … وأدناك منهُ إلهُ الأنام

أصبتَ بمرقاكَ أعلى المرام … «وعن غرضِ القربِ منك السهام

وقِدماً بنوركِ لمَّا أضاء … رأت ظلمة ُ العدمِ الإنجلاء

فمِن فضلِ ضوئك كانَ الضياء … “لقد رَمَقت بك عينُ العماء

أضاءَ سناكَ لها مُبرِقا … وقابل مرآتَها مُشرِقا

إلى أن أشاعَ لها رَونَقا … «فكنتَ لمرآتِها زَيبَقا

بك الأرضُ مدَّت ليوم الورود … وأضحت عليها الرواسي رُكود

وسقفُ السمِا شيدَ لا في عَمود … “فلولاكَ لا نطمَّ هذا الوُجود

ولولاكَ ما كانَ خَلقٌ يَعود … لذات النعيمِ وذات الوَقود

ولا بهما ذاقَ طعمَ الخُلود … “ولا شمَّ رائحة ً للوجود

ولو لم تجدك لمولودِه … أباً أمُّ أركانِ موجودِه

إذاً عَقُمت دونَ توليده … «ولولاكَ طفلُ مواليده

ولولاك ثوبُ الدجى ما انسدل … ونورُ سراجِ الضُحى ما اشتعل

ولولاك غيثُ السما ما نزل … «ولولاك رتقُ السموات والـ

ففيك السماءَ علينا بَنى … وذي الأرضَ مدَّ فراشاً لنا

فلولاك ما انحَفَظت تحتنا … “ولولاك مارفعَت فوقنا

ولا كانَ بينهما من ولوج … لغيثٍ تحمَّل ماءً يموج

ولا انتظمَ الأرض ذات الفروج … «ولا نثَرت كفُّ ذات البروج

ولا سيَّر الشهبَ ذات الضياء … بنهرِ المجرَّة ِ ربُّ العَلاء

ولا يُنش نوتيُّ زنجِ المسَاء … «ولا طافَ من فوقِ موج السماء

ولولاك وشيُ الرياض اضمحل … ولا طرَّز الطلُّ منه حُلَل

وفيهنٌ جسمُّ الثرى ما اشتمَل … “ولولاك ما كلَّلت وجنة الـ

ولولاك ما فلَّت الغاديات … بأنملِ قطرٍ نواصي الفَلاة

ولا الرعدُ ناغى جنينَ العضات … “ولا كَست السحب طُفل النبات

ولا صدغُ آسٍ بدى في رُبى … على وردِ خدٍّ غَدا مُذهَبا

ولا ربَّحت قدَّ غصنٍ صَبا … «ولا اختال نبتُ رُبى ً في قبا

أفضتَ نطاقَ نَدى ً دافِقات … بها اخضرَّ غَرسُ رَجا الكائنات

فلولاك ما سالَ وادي الهبات … «ولولاك غصنُ نَقى المكرمات

لك الأرضَ أَنشأَ علاَّمها … وقد نُصبت لك أعلامُها

فلولاك لم ينخفِض هامُها … «وسبعُ السمواتِ أجرامُها

ولولاك يُونسُ ما خُلِّصا … من الحوتِ حين دعا مُخلِصا

وعيسى لمّا أبرءَ الأبرصا … “ولولاك مثعنجرٌ بالعصا

ولا يومُ حربٍ على الشركِ فاظ … بسيفِ هدى ً مستطيرَ الشُواظ

ولا أنفس الكفر أضحت تفاظ … «ولولاك سوقُ عكاظِ الحفاظ

بحبلِ الهدى كم رقابٍ رَبَقت … وكم لبني الشركِ هاماً فَلَقت

وكم في العُروجِ حجاباً خرقت … “وأسرى بك الله حتى طرقت

لقد كنت حيثُ تَحير العقول … بشأوِ عُلى ً ما إليه وصول

فأنزلك الله هادٍ رسول … “ورقّاك مولاك بعد النزول

لك الله أنشا من الأُمهات … كرائم ما مثلها مُحصنات

ومذ زُوِّجت بالكرامِ الهداة … «بمثلك أرحامها الطاهرات

لحقتَ وإن كنت لم تَعنِق … بشأوٍ به الرسلُ لم تعلِق

وأحرزتَ قِدماً مدى الأسبق … «فيا لاحقاً قطُّ لم يُسبَق

خُلقتَ لدين الهُدى باسطا … لنا، وبأَحكامه قاسِطا

وحيثُ صعدَتُ عَلى ً شاحطا … “تصوَّبتَ من صاعدٍ هابطا

هبطَت بأمرِ العليِّ الودود … إلى عالمٍ عالم بالسعود

ونوُرك سامٍ لأعلى الوجود … “فكان هبوُطك عينَ الصعود