تسمع لدعوة ناء غريب – ابن دارج القسطلي

تسمع لدعوة ناء غريب … كثير الدعاء قليل المجيب

يهيم إليك بهم شجاع … ويجبن عنك بستر هيوب

ويقتاده منك صدق اليقين … فيرتاب منه بظن كذوب

أيأذن سمعك لي من بعيد … ولحظك قد رابني من قريب

وكيف بأشجان قلب عزيز … فيسعده لهو قلب طروب

فناداك من غمرات التناسي … وناجاك في ظلمات الخطوب

ببالغة للتراقي حدتها … إليك وصاة القريب المجيب

بما خط للجار وابن السبيل … وأوجب للمستضام الغريب

وما قد حباك الرضا من مليك … بلاك بلاء الحسام الرسوب

فحلاك إكرامه في العيون … لتقدم أعلامه في الحروب

وأذكى سراجك وسط القصور … ليعلي عجاجك خلف الدروب

فأرعيته صدق حر شكور … تسربل إخلاص عبد منيب

وأبليته نصح جيب سليم … وفي الضمان بنصح الجيوب

تقود إليه رجاء البعيد … وتتلو عليه ثناء القريب

وتلقى وجوه المحبين عنه … ببشر المحب ووصل الحبيب

وكم منبر للعلا قد بناه … له الله من معظمات الصليب

حميت ذراه بأنف حمي … ورحب ذراه بصدر رحيب

وضاق بمن أسمع الضيم عنه … فيا لخطيب صريع الخطوب

قريب إلى كل أفق بعيد … بعيد على ذكر مولى قريب

وقد أطلع الشرق والغرب عنه … كواكب تهوي لغير الغروب

نجوما أضاءت بفصل الخطاب … له الدهر إلا مكان الخطيب

وعنه تنكبت قوس النضال … فرشت لها كل سهم مصيب

فأوترتها لقلوب العداة … وأغرقت فيها لرمي الغيوب

فما لك عن غرض كالصباح … تجلل أفق الصبا والجنوب

يضاحك من روض فكري بذكري … أزاهير نور بنور مشوب

فلله إشراق ذاك الشباب … تألق في حسن ذاك المشيب

ففاح تضوع ذا من ضياعي … كما لاح مطلع ذا من غروبي

فتلك نقائض سعيي وسعدي … ينادين يا للعجاب العجيب

وتلك بضائع نثري ونظمي … ضوارب في الأرض هل من ضريب

ويا للخلائق هل من مساو … ويا للدواوين هل من مجيب

ويا نشأتي عبد شمس . . . . … ومن أعقبت هاشم من عقيب

وما خطه أثر عن أمير … وسطره أرب عن أريب

فهل في الورى غير سمع شهيد … يلبيه كل فؤاد لبيب

وغير لسان صدوق البيان … يقر له كل زعم كذوب

بأن لم يفز قبلها ملك ملك … بقدح كقدح مليكي تجيب

فأنجب بمورثه من مليك … وأسعد بوارثه من نجيب

وأعجب بأوفى مليك أضاع … من الذكر والفخر أوفى نصيب

لواء ثناء كبرق الغمام … يهل إليه لواء الحروب

وما قد كسا كل بر وبحر … بذكراه من كل حسن وطيب

حدائق من زهرات العقول … تفوح إلى ثمرات القلوب

تغنى العذارى بها في الخدور … وتحدى المهارى بها في السهوب

وقد أينع الحزن والسهل منها … بشرب ذنوب محا من ذنوبي

بلاغ حياة وأحجمت عنه … لعود الخباء وللعندليب

كما ابتز صيد العقاب الذباب … وصاد النعام حسير الدبيب

وذلي أودع هذا وهذا … أظافير ليث وأنياب ذيب

مظالم أظلم حق المحق … بهن وأشرق ريب المريب

وأنت عليها شهيد العيان … وحكمك فيها صريح الوجوب

ووعدك ألزمني من ذراك … وصال المحب ورعي الرقيب

فحين افتتحت بنصر عزيز … يبشر عنك بفتح قريب

ب … ترقيت في هضبة العز عنيوأهويت بي لمهيل كثيب

ولفتك دوني غصون النعيم … وأسلمت ضاحي مرعى جديب

فمليتها جنة لا يزال … يمد بها كل عيش خصيب

ولا برحتها طيور السرور … يميد بها كل غصن رطيب

وإن شاقني من صباها نسيم … يفرج عني بروح الهبوب

وأظميت منها إلى رشف ما … يمثل لي فيه ريق الحبيب

وكم سمت أوراقها في الرياح … لأخصف فيها لعار سليب

وأمسحها في مآقي جفون … دوامي القذى قرحات الغروب

بما فت فيهن رمي العداة … وما غض منهن ذل الغريب

فإن رمدت فقليل لعين … يقلبها شجو قلب كئيب

وإن قدحت بالحشا في الحشايا … فزندا ضرام لنار الكروب

تؤججها حسرات التناسي … وتنفخها زفرات النحيب

وكلا وسعت بصبر جميل … وبعضا كففت بدمع سكوب

لأوقد منها مصابيح جمر … تنير إليك بسر الغيوب

ولو غاب علمك عن بحر ظمء … وما غيض من شربه في الشروب

لأغناك عن شبهة الشك فيه … ذبول الجنى في ذبول القضيب

وحسبي لها منك حر كريم … وفي الشهود أمين المغيب

وأرجى عليل لبرء السقام … عليل تيقن يمن الطبيب

وحسن الظنون لصدق اليقين … نسيب ولا كالنسيب الحسيب

فإن تنه عني فأولى مجاب … دعا للمكارم أهدى مجيب

وكنت بذلك أحظى مثاب … له من ثنائي أوفى مثيب

ومن يمنع الضيف رحب الفناء … فقد قاده للفضاء الرحيب

كلمات: ايلي شويري

ألحان: وديع الصافي