تبيَّنَ حقٌ للعباد وباطلُ – عبدالغفار الأخرس

تبيَّنَ حقٌ للعباد وباطلُ … ونِلْتَ بحمد الله أَنْتَ نائلُ

وما حاق مكر السَّوء بأهلهِ … وبعد فما يدريك ما الله فاعل

لقد نقلوا عنك الذي هو لم يكن … فأدحضَ منقولٌ وكذّب ناقل

وجاؤوا بما لم يَقْبَل العقلُ مثلَه … ولا يرتضيه في الحقيقة عاقل

شهودٌ كأسنان الحمار فبعضهم … لبعض وإنْ يأْبَ الغبيُّ أماثل

أراذلُ قومٍ ساءَ ما شهدوا به … وما ضَرَّتِ الأشرافَ تلك الأراذل

أتوكَ بتزوير على حين غفلة … وأنتَ عن التزوير إذ ذاك غافل

وقُلْتَ وقال الخصم ما قال وادّعى … وهل يستوي يا قوم قسُّ وباقل

أقام على بطلانه بدليله … دليلاً وللحقّ الصريح دلائل

ولو كان يستجديك فوق آدعائه … لَجُدْتّ به فضلاً وما أنْتَ باخل

ولو أنَّه يبغي إليك وسيلة ً … لما خيَّبته في الرجال الوسائل

ولكن بسُوءِ الحظّ يثني عنانه … إلى حيث يشقى عنده من يحاول

وإلاّ لما أمسى يعضّ بنانه … يعنّفه لاحٍ ويخزيه عاذل

ولا راح محروماً مناهلَ فضلكم … وكيف وأنْتُم في النوال مناهل

لقد نزع الأشهاد من كل فرقة … ولا بأس فالقرن المنازع باسل

وقد زيَّنَ الشيطانُ أعماله له … على أنَّه لم يدرِ ما الله عامل

وأعملتِ الأهواء فيه كما اشتهت … فلا دخلته بعد هذا العوامل

ومن جهله ألقى إلى الزور نفسه … وجاءَ بما لم يأته اليوم جاهل

وأنّى له بالشاهد العدل يرتضى … ويقدم في إشهاده ويجادل

أيشهدُ ديّوثٌ ويقبلُ قوله … وهل قال في هذا من الناس قائل

وإقرارُ حربيٍّ على غير نفسه … فلا هو مقبول ولا أنت قابل

لدى حَكَمِ عدلٍ بدين محمد … وإنْ لم يكنْ عدلٌ فربُّك عادل

ومن ذا قضى بالظنّ يوماً على امرئٍ … وحسَبُك حكمُ الله قاضٍ وفاصل

وعارٍ من التدبير والعقل والحجى … وإنْ كان قد زرَّت عليه الغلائل

رأى الرأيَ بعد المال قتلاً لنفسه … على المال حرصاً فهو لا شك قاتل

كما كان ما قد كان منه وغرَّهُ … نصيحٌ مداجٍ، أو عدوٌ مناضل

ووافق رأياً فاسداً فأماله … وكلٌّ عن الإقبال بالصلْح مائل

إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى … فكلُّ معينٍ ما عدا الله خاذل

ضلالاًلقوم يكنِزُون كنوزَهم … لأبنائهم والله بالرّزق كافل

لقد شقيتْ منهم على سوءِ ظنهم … أواخرهم فيما جَنَتْه الأوائل

ولم يدر مالٌ أودعَ الأرض طالعٌ … لعمرك أمْ حتفٌ من الله نازل

ستهلِكُ قومٌ حسرة ً وتأسُّفاً … عليه وأطماع النفوس قواتل

تعجّل في الدنيا عقوبة َ طامع … ومن نكبات المرء ما هو آجل

إذا شام برقاً خلباً ظنَّ أنَّه … مخايل لا بل كذّبته المخايل

وما كلُّ برقٍ لاحٍ في الجو ممطرٌ … ولا كلُّ قطر لو تأمَّلت وابل

وكم غرَّ ظمآناً سرابٌ بِقيعَة ٍ … وأغناه طيفٌ في الكرى وهو زائل

تَنَاوَلَ بالآمال منك مرامَه … وأنّى له منك المُنى والتناوُل

وقد شنَّ غارات الدَّعاوى جميعها … إليكَ ولم تُشْغِلْه عنك الشواغل

ولو حكموا من قبلها في جنونه … وعاقَتْه عما كان منه السلاسل

لما ذهبت أمواله وتقلبتْ … به الحال فيما يبتغي ويحاول

ولا دَنَّسَ العرضَ النقيَّ بشاهدٍ … من العار لم يغسله من بعد غاسل

لقد خاب مسعاه وطال وقوفه … على مطلب ما تحته اليوم طائل

وما حصل المعتوهُ ظنّاً يظنُّه … فلا العرض موفور ولا المال حاصل

فيا شدَّ ما لاقيت من سوءِ ظنه … ومن فعله فيها وما هو فاعل

وتكذيب دعواه وتخجيله بها … ألا ثكلت أمَّ الكذوب الثوالك

تحمَّلتَ أعباءَ المشقّة للسُّرى … وكلُّ نجيب للمشقّة حامل

وأقبلتَ إقبالَ السَّعادة كلّها … علينا كما وافى من الغيث هاطل

يشيرون بالأيدي إليك وإنما … تشير إلى هذا الجناب الأنامل

ليهنك حكم الله يمضي غراره … مضاء حسام ارْهَفْته الصياقل

تبَّرأتَ مما ثيل فيك براءة ً … من الله إشهادٌ عليه الأفاضل

تبَّرأتَ من تلك الرذائل نائباً … وحاشاك أنْ يدنو إليك الرذائل

وما تسلك الأوهام فيها حقيقة … ولا حملت يوماً عليها المحامل

نعمنا بك الأيام وهي قليلة … لديك وأيام السرور قلائل

وأَمْسَتْ دمشق الشام تشتاق طلعة ً … لوجهك مثل البدر والبدر كامل

وإنَّك منها بالسرور لقادم … وإنك عنّا بالفخار لراحل

لأمر يريد الله كشف عمائه … تجابُ له بيدٌ وتطوى مراحل

فمن مبلغٌ عنّي دمشقَ وأهلها … بشارة ما قد ضَمنَّتها الرسائل

عَدَتْ منكم فينا عوادٍ عوادلٌ … وسارت لنا فيكم قوافٍ قوافل

وأصبحَ من ناواكمُ بعدَ صيته … كئيباً وأمّا ذكرهُ فهو خامل

تناهى إلى عَيٍّ فقصرَّ دُونه … وعند النتاهي يقصر المتطاول