بأبي الشموس الجانحات غواربا – المتنبي

بأبي الشُّموسُ الجانِحاتُ غَوارِبَا … أللاّبِساتُ مِنَ الحَريرِ جَلابِبَا

ألمُنْهِباتُ عُقُولَنَا وقُلُوبَنَا … وجَناتِهِنّ النّاهِباتِ النّاهِبَا

ألنّاعِماتُ القاتِلاتُ المُحْيِيَا … تُ المُبْدِياتُ مِنَ الدّلالِ غَرائِبَا

حاوَلْنَ تَفْدِيَتي وخِفْنَ مُراقِبا … فوَضَعْنَ أيدِيَهُنّ فوْقَ تَرَائِبَا

وبَسَمْنَ عَنْ بَرَدٍ خَشيتُ أُذِيبُهُ … من حَرّ أنْفاسي فكُنْتُ الذّائِبَا

يا حَبّذا المُتَحَمّلُونَ وحَبّذا … وَادٍ لَثَمْتُ بهِ الغَزالَةَ كاعِبَا

كَيفَ الرّجاءُ منَ الخُطوبِ تخَلُّصاً … منْ بَعْدِ ما أنْشَبنَ فيّ مَخالِبَا

أوْحَدْنَني وَوَجَدْنَ حُزْناً واحداً … مُتَناهِياً فجَعَلْنَهُ لي صاحِبَا

ونَصَبْنَني غَرَضَ الرّماةِ تُصِيبُني … مِحَنٌ أحَدُّ منَ السّيوفِ مَضارِبَا

أظْمَتْنيَ الدّنْيا فَلَمّا جِئْتُهَا … مُسْتَسْقِياً مَطَرَتْ عليّ مَصائِبَا

وحُبِيتُ من خُوصِ الرّكابِ بأسوَدٍ … من دارِشٍ فغَدَوْتُ أمشي راكِبَا

حالٌ متى عَلِمَ ابنُ مَنصورٍ بهَا … جاءَ الزّمانُ إليّ مِنْها تَائِبَا

مَلِكٌ سِنَانُ قَنَاتِهِ وبَنَانُهُ … يَتَبَارَيانِ دَماً وعُرْفاً سَاكِبَا

يَستَصْغِرُ الخَطَرَ الكَبيرَ لوَفْدِهِ … ويَظُنّ دِجْلَةَ ليسَ تكفي شارِبَا

كَرَماً فلَوْ حَدّثْتَهُ عن نَفْسِهِ … بعَظيمِ ما صَنَعَتْ لظَنّكَ كاذِبَا

سَلْ عَن شَجاعَتِهِ وزُرْهُ مُسالماً … وَحَذارِ ثمّ حَذارِ مِنهُ مُحارِبَا

فالمَوْتُ تُعرَفُ بالصّفاتِ طِبَاعُهُ … لم تَلْقَ خَلْقاً ذاقَ مَوْتاً آئِبَا

إنْ تَلْقَهُ لا تَلْقَ إلاّ جَحْفَلاً … أوْ قَسطَلاً أو طاعِناً أو ضارِبَا

أو هارِباً أو طالِباً أو راغِباً … أو راهِباً أو هالِكاً أو نادِبَا

وإذا نَظَرْتَ إلى الجِبَالِ رَأيْتَهَا … فوْقَ السّهُولِ عَواسِلاً وقَواضِبَا

وإذا نَظَرْتَ إلى السّهُولِ رَأيْتَها … تَحْتَ الجِبالِ فَوارِساً وجَنَائِبَا

وعَجاجَةً تَرَكَ الحَديدُ سَوادَها … زِنْجاً تَبَسّمُ أوْ قَذالاً شَائِبَا

فكأنّمَا كُسِيَ النّهارُ بها دُجَى … لَيْلٍ وأطْلَعَتِ الرّماحُ كَواكِبَا

قد عَسكَرَتْ مَعَها الرّزايا عَسكَراً … وتَكَتّبَتْ فيها الرّجالُ كَتائِبَا

أُسُدٌ فَرائِسُها الأسُودُ يَقُودُها … أسَدٌ تَصِيرُ لَهُ الأسُودُ ثَعالِبَا

في رُتْبَةٍ حَجَبَ الوَرَى عَن نَيْلِها … وعَلا فَسَمَّوهُ عَلِيَّ الحاجِبَا

ودَعَوْهُ من فَرْطِ السّخاءِ مُبَذّراً … ودَعَوْهُ من غصْبِ النّفوسِ الغاصِبَا

هذا الذي أفنى النُّضارَ مَواهِباً … وعِداهُ قَتْلاً والزّمانَ تَجَارِبَا

ومُخَيِّبُ العُذّالِ مِمّا أمّلُوا … مِنْهُ ولَيسَ يَرُدّ كَفّاً خائِبَا

هذا الذي أبصَرْتُ منهُ حاضِراً … مِثْلَ الذي أبْصَرْتُ مِنْهُ غائِبَا

كالبَدْرِ من حَيثُ التَفَتَّ رَأيْتَهُ … يُهْدي إلى عَيْنَيْكَ نُوراً ثاقِبَا

كالبَحْرِ يَقذِفُ للقَريبِ جَواهِراً … جُوداً ويَبْعَثُ للبَعيدِ سَحائِبَا

كالشّمسِ في كَبِدِ السّماءِ وضَوْؤها … يَغْشَى البِلادَ مَشارِقاً ومَغارِبَا

أمُهَجِّنَ الكُرَماءِ والمُزْري بهِمْ … وتَرُوكَ كلِّ كريمِ قوْمٍ عاتِبَا

شادوا مَناقِبَهُمْ وشِدْتَ مَنَاقِباً … وُجِدَتْ مَناقِبُهُمْ بهِنّ مَثَالِبَا

لَبّيْكَ غَيظَ الحاسِدينَ الرّاتِبَا … إنّا لَنَخْبُرُ من يَدَيْكَ عَجَائِبَا

تَدبيرَ ذي حُنَكٍ يُفَكّرُ في غَدٍ … وهُجُومَ غِرٍّ لا يَخافُ عَواقِبَا

وعَطاءَ مالٍ لوْ عَداهُ طالِبٌ … أنْفَقْتَهُ في أنْ تُلاقيَ طالِبَا

خُذْ مِنْ ثَنَايَ عَلَيْكَ ما أسْطِيعُهُ … لا تُلْزِمَنّي في الثّناءِ الواجِبَا

فلَقَدْ دَهِشْتُ لِما فَعَلْتَ ودونَهُ … ما يُدهِشُ المَلَكَ الحَفيظَ الكاتِبَا