انا الشعب – أم كلثوم

على باب مصر، تدق الأكف، ويعلو الضجيج
جبال تدور، رياح تثور، بحار تهيج
وتصغى وتصغى
فتسمع بين الضجيج سؤالا وأي سؤال
وتسمع همهمة كالجواب، وتسمع هممةً كالسؤال
أين؟ ومن؟
وكيف إذاً؟
نعم كيف أصبح هذا الجلال
بأقصى مداه؟
حقيقة شعب ٍ
غزاه الطغاة، وأي طغاه؟
أمعجزة مالها أنبياء؟
أدورة أرض بغير فضاء؟

وتمضي المواكب بالقادمين
من كل لون ٍ وكل مجال
فمن عصر مينا إلى عصر عمرو ٍ
ومن عصر عمرو ٍ لعصر جمال
وكل تساءل فى لهفة ٍ :
أين؟ ومن؟
وكيف إذن؟
أمعجزة ً مالها أنبياء؟
أدورة أرض بغير فضاء؟

وجاء الغزاة
جميع الغزاة
فأبدوا خشوعًا
وأحنوا الجباه
وكل تساءل في دهشة ٍ
وكل تساءل في لهفة :
أمعجزة مالها أنبياء؟
أدورة أرض ٍ بغير فضاء؟
تلمح بين الجموع وجوهًا
يرف عليها حنان الإله
ففيها المفكر والعبقري
وفيها التقاة .. وفيها الهداه
ف (موسى) تشق عصاه الزحام
وذلك (عيسى) عليه السلام
وهذا (محمد) خير الأنام
أمعجزة مالها أنبياء؟
أدورة أرض ٍ بغير فضاء؟

فأين تحقق ما كان وهمًا

ومن ذا الذي ياترى حققه؟
وكيف تحرر من أسره
سجين الزمان؟ ومن أطلقه؟
لقد شاد بالأمس أهرامه
بأيدٍ مسخرة موثقة
على ظهره بصمات السياط
وأحشاوه بالطوى مرهقة
وها هو يبنى بحريةٍ
دعائم آماله المشرقة
بسد منيع، عجيب البناء
يبث الرخاء ويوحى الثقة
فارزاق أبنائه حرة
وآراؤهم حرة مطلقه
وليس بهم سيد أو مسود
فكل سواء بلا تفرقة
أمعجزة مالها أنبياء؟
أدورة أرض بغير فضاء؟

وصاح من الشعب صوت طليق
قويٌ، أبيٌ، عريقٌ، عميق
يقول : أنا الشعب والمعجزة
أنا الشعب لا شىء قد أعجزه
وكل الذي قاله أنجزه

فمن أرضي الحرة الصامدة
بنيت حضاراتنا الخالدة
بقوميتي واشتراكيتي
بنبض العروبة في أمتي
أنا الشعب، شعب ذرى والقمم
زرعت النخيل، صنعت الهرم

رفعت المآذن فوق القباب
بنيت المداخن تعلو السحاب

أنا الشعب لا أعرف المستحيلا
ولا أرتضي بالخلود بديلا
بلادي مفتوحة كالسماء
تضم الصديق .. وتمحو الدخيلا
أنا الشعب، شعب العلا والنضال
أحب السلام، أخوض القتال
ومني الحقيقة مني الخيال
وعندي الجمال، وعندي جمال

كلمات: كامل الشناوي