المنتحر – عبدالله البردوني

لفظ الروح فاطمأنّت ضلوعه … وانطفى شوقه و نام ولوعه

وقع المتعب الكئيب على الموت … فماذا جرى وكيف وقوعه ؟

جفّت الكأس في يديه و أشتى … فيه وادي المنى و مات ربيعه

حار في الموت و الحياة … كراع … ضاع تحت الدجى و ضاع قطيعه

كلّما ساءل الدجى أين يمضي … لجّ في الصمت واستفاض خشوعه

وانحنى كالعجوز وانساق كالمخـ … مور و امتدّ في السكون هزيعه

لا تسل ذلك الفتى : كيف صاح … الجرح فيه ؟ و كيف صمّ سميعه

كيف أسرار قلبه أيّ سرّ … كان يطوي و أيّ سرّ يذيعه ؟

همّ بالموت و الظنون توارى … حوله الخوف تارة و تشيعه

و تلكّا فدار في ذهنه ” سقراط ” … هذا اسمه و هذا لموعه

ذلك الفيلسوف لم يدر هل أحأ … سن صنعا أم كيف ساء صنيعه ؟

جرعة الكأس أنهت العمر فيه … فانتهى أصل شرّه و فروعه

و تلكّا الفتى و حار ، أيشري … من يد الموت عمره أم يبيعه ؟

أومأت كفّه إلى خنجر الموت … و أومى إلى الحياة نزوعه

ليس يدري أيّ الأمرّين أحلى … سعيه نحو حتفه أم رجوعه ؟

طاوع الخنجر الأصمّ يديه … حين كادت يمينه لا تطيعه

و توارى في صدره خنجر الموت … فضجّ الحشا وفارت صدوعه

و التوى حوله الردى كالأفاعي … وتلوّى كالأفعوان صريعه

و تراخت على الفراش يداه … ثمّ أغفى و في يديه نجيعه

متعب طال عمره و شقاه … و تمادت جراحة و دموعه

طالما شبّ من دماه شموعا … للهوى فانطفى الهوى و شموعه

حين لم يستطع بلوغ مناه … مات : و الموت كلّ ما يستطيعه

وانطوى عمره الطويل فألقى … قيده و انتهى شقاه و جوعه

وانزوى حيث لا يحسّ صديقا … يجتبيه و لا عدوّا يروعه

نول المضجع الأخير فلانت … قسوة الشرب و استراح ضجيعه

أسكت القبر فيه كلّ ضجيج … واحتواه سكونه و هجوعه

إنّما القبر مضجع يستوي … العالم فيه رفيعه ووضيعه

نافقت بيننا الحياة فهذا … حلّ كوخا و ذاك طالت ربوعه

يا ظالم الحياة ما أعدل القبر … تساوى فيه الوجود جميعه

لا تلم ذلك الفتى حين أردى … نفسه فالشقا الطويل شفيعه

و انتحار المضيم أخصر للضيّم … و أجدى من أن يطول خضوعه

مزّق العمر ضيّعه العمر … و حمق حفظ الفتى ما يضيعه

كم شوت روحه الضلوع ويوما … لفظ الروح فاطمأنّت ضلوعه