البلبل السجين – إيليا أبو ماضي

يا ربّ بلا سناء … كأنّما بدره يتيم

مشى به اليأس في الرّخاء … كأنّه النار و الهشيم

ليت الدّجى رقّ للمحبّ … أو ليت لي مهجة حجر

أقضّ هذا الفراش جنبي … كأنّ في مضجعي الإبر

هل بك يا نجم مثل كربي ؟ … أم أنت من طبعك السّهر ؟

سهرت شوقا إلى ذكاء ؟ … أم عندك المقعد المقيم ؟

أبكي و تصغي إلى البكاء … يا ربّ هل تعشق النجوم ؟

قد نال فرط السّهاد منّي … و اشتاق طرفي إلى الهجوع

و قرّح الجفن ماء جفني … في الحبّ ما فاض من دموعي

و شاب رأسي من التّجنّي … ياليت ذا الشّيب في الولوع

لعلّ في سلوتي شفائي … هيهات . داء الهوى قديم

ما يحسب الناس في ردائي ؟ … في بردتي هيكل رميم

قد طال يا ليل فيك صبري … و أشبهت ساعك القرونا

فقل لهذي النجوم تسري … أو إسأل الصّبح أن يبينا

و إن تشأ أن تكون قبري … فكن كما شئت أن تكونا

في سكون إلى البلاء … قد يألف العلّة السّقيم

من كان في قبضة الهواء … هان على نفسه النّسيم

قرّب بين الضّنى و جسمي … ما أبعد النّوم عن جفوني

يا ليل فيك الرّقاد خصمي … يا ليل ما فيك من معين

سوى شج همّه كهمّي … ينشد و اللّيل في سكون

أيمرح البوم في الخلاء … و تمسك البلبل الهموم ؟

هذا ضلال من القضاء … فلا تلمني إذا ألوم

سا سيّد المنشدين طرّا … و صاحب المنطق المبين

لو كنت بوما أو كنت نسرا … ما بتّ في أسرك المهين

خلقت لما خلقت ، حرّا … فزجّك الحسن في السّجون

و أطلق البوم في الفضاء … زعم الورى أنّه دميم

و أنّه غير ذي رواء … و لا له صوت الرّخيم

تيّمك الروض فيه حتّى … تخذت باحاته مقاما

رأيت فيه النعيم بحتا … و لم تر عنده الأناما

مدّوا الأحابيل فيه شتّى … أقلّها يجلب الحماما

لو كنت كالبوم في الجفاء … ما صادك المنظر الوسيم

أصبحت تبكي من الشّقاء … ليضحك الآسر المضيم

و المرء وحش فإن ترقّى … أصبح شرا من الوحوش

فخفه حرّا و خفه رقّا … و خفه ملكا على العروش

فالشرّ في الناس كان خلقا … و أيّ طير بغير ريش ؟

ما قام فيهم أخو وفاء … يحفظ عهدا و لا رحيم

فكلّ مستضعف مرائي … و كلّ ذي قوّة غشوم

إن كان للوحش من نيوب … فالناس أنيابهم حديد

ما كان ، و الله ، للحروب … لولا بنو آدم وجود

لو امّحى عالم الخطوب … لقام منهم لها معيد

قد نسبوا الظلم للسماء … و كلّهم جائر ظلوم

لم يخل منه أخو الثّراء … و لا الفتى البائس العديم

أعجب ما في بني التراب … قتالهم فوقه عليه

قد صيّر و الأرض كالكتاب … و انحشروا بين دفّتيه

و استعجلوا الموت بالعذاب … و كلّهم صائر إليه

ما خاب داع إلى العداء … و لم يفز ناصح حكيم

ما رغب الناس في الفناء … لكنّما ضاعت الحلوم

لو لم يك الظلم في الطّبائع … ما استنصر العاجز العداله

لو عدلت فيهم الشرائع … ما استحدثوا للقتال آله

عجبت للقاتل المدافع … جزاؤه الموت لا محاله

لكنّما سافكو الدماء … يوم الوغى قادة قروم

و هكذا المجرم الدائي … في عرفهم فاتح عظيم

أقبح من هذه الضّلاله … أن يحكم الواحد الألوفا

و يدّعي الفضل و النّباله … من يسلب العامل الرّغيفا

يا قوم ما هذه الجهالة … قد حان أن تنصفوا الضّعيفا

فراقبوا ذمّة الإخاء … و لتنس أحقادها الخصوم

لا تتبعوا سنّة البقاء … فإنّها سنّة ظلوم