إني لأغنى الناس عن عصبية – ابن القيسراني
إني لأغنى الناس عن عصبية … ما الحق مفتقر إلى متعصب
ومخاتل بالكيد يهتك شخصه … وضح النهار فيحتمي بالغيهب
ما كان أبصرني بكف أذاته … لو كنت أحسن رقية للعقرب
يا طالبا ذلي بجامح غيه … أو ما سمعت بعزآل مسيب
الحافظين ذمارهم في جارهم … والعاقدين ذمامهم للأجنبي
والراكبين من الظبي في بارق … والنازلين من القنا في مضرب
والحانين الحاتمين من الندى … ما شاع في العربي والمستعرب
قوم إذا استبقوا على أحسابهم … جلبوا لعز الدين أكرم منسب
ملك تواصله الفضائل رغبة … في مجده من أبعدين وأقرب
جمع القلوب على محبة ملكه … ما عنده من رأفة وتحيب
فإذا يقاس بخيل قيس خيله … عدت معد وأعربت عن يعرب
سيف إذا ابتسمت مضارب سيفه … أيقنت أن البرق ليس بخلب
يأتم في ليل الوغى بسنانه … أرأيت شمسا تستضيء بكوكب
إن كنت غرا من حقيقة بأسه … فاسأل بها غرر العتاق الشرب
كالليث ترتجل الثناء وفوده … يوم السلام على أغر محجب
مستمطر النعمى يشف حياؤه … عن شيمة ذهب ووجه مذهب
حرم المعالي من يلذ بفنائه … يحلل به بين الصفا والأخشب
يا ابن المعاقل من عقيل والأولى … رجموا الكواكب شركة في المنصب
أمتك أمات الثناء لواحقا … ابكارها عن قرع فكر منجب
من كل ثاوية تبيت على السرى … كالنجم بين مشرق ومغرب
إن حميت فوذيلة في صعدة … أو قوضت فعقيلة في ربرب
شامت من الشام الفرات وجاورت … في دوسر جار الغرام الصيب
حلت بملك المالكي فصافحت … ما شئت من أهل هناك ومرحب
حيث المناقب في المواهب والفضائل … في الفواضل والعلى في المكسب
وكذا إذا لم تلف إلا طالبا … رفد الرجال فكن شريف المطلب
أضحى بك الأضحى المهنا ضاحكا … يفتر عن ثغر الزمان الأشنب
لا قوضت أبدا خيام سروره … إلا وهديك فيه هدي مقرب
وإذا المناسب صرحت ثمراتها … عنها فأنت الطيب ابن الطيب
أنت الذي ما اعتادني إحسانه … إلا صفحت عن الزمان المذنب
سقى الله بالزوراء من جانب الغرب … مها وردت عين الحياة من القلب
عفائف إلا عن معاقرة الهوى … ضعائف إلا في مغالبة الصب
عقائل تخشاها عقيل بن عامر … كواعب لا تعطي الذمام على كعب
إذا جاذبتهن البوادي مزية … من الحسن شبهن البراقع بالنقب
تظلمت من أجفانهن إلى النوى … سفاها وهل يعدي البعاد على القرب
ولما دنا التوديع قلت لصاحبي … حنانيك سربي عن ملاحظة السرب
إذا كانت الأحداق نوعا من الظبى … فلا شك أن اللحظ ضرب من الضرب
هبوني تعسفت الفراق ضلاله … فأصبحت في شعب وقلبي في شعب
فإني إذا ناديت يا صبر منجدا … خذلت ولبى إن دعا حرقه لبي
تقضى زماني بين بين وهجرة … فحتام لا يصحو فؤادي من حب
وأهوى الذي أهوى له البدر ساجدا … ألست ترى في وجهه أثر الترب
وأعجب ما في خمر عينيه أنها … تضاعف سكري كلما قللت شربي
إذا لم يكن في الحب عندي زيارة … ترجى فما فضل الزيارة عن غب
وما زال عوادي يقولون من به … وأكتمهم حتى سألتهم من بي
فصرت إذا ما هزني الشوق هزة … أحلت عذولي في الغرام على صحبي
وعند الصبا منها حديث كأنه … إذا سار بين الشرب ريحانة الشرب
تنم عليه نفحة بابلية … نمت من ثناياها إلى البارد العذب
تراح لها الأرواح حتى تظنها … نسيم جمال الدين هب على الركب
سروا عاقدي الآمال بهمة … بها وضعوا أثقالهم في ذرى الشهب