إلام طماعية العاذل – المتنبي

إلامَ طَماعِيَةُ العاذِلِ … ولا رأيَ في الحُبّ للعاقِلِ

يُرادُ مِنَ القَلْبِ نِسْيانُكُمْ … وتأبَى الطّباعُ على النّاقِلِ

وإنّي لأعْشَقُ مِنْ أجْلِكُمْ … نُحُولي وكلَّ امرىءٍ ناحِلِ

ولَوْ زُلْتُمُ ثُمّ لمْ أبْكِكُمْ … بكَيْتُ على حُبّيَ الزّائِلِ

أيُنكِرُ خَدّي دُموعي وقَدْ … جرَتْ منهُ في مَسلَكٍ سابِلِ

أأوّلُ دَمْعٍ جرَى فَوْقَهُ … وأوّلُ حُزْنٍ على راحِلِ

وهَبْتُ السّلُوّ لِمَنْ لامَني … وبِتُّ منَ الشّوْقِ في شاغِلِ

كأنّ الجُفُونَ على مُقلَتي … ثِيابٌ شُقِقْنَ على ثاكِلِ

ولوْ كنتُ في أسرِ غَيرِ الهَوَى … ضَمِنْتُ ضَمانَ أبي وائِلِ

فَدَى نَفسَهُ بضَمانِ النُّضارِ … وأعطَى صُدورَ القَنَا الذّابِلِ

ومَنّاهُمُ الخَيْلَ مَجْنُوبَةً … فَجِئْنَ بكُلّ فَتًى باسِلِ

كأنّ خَلاصَ أبي وائِلٍ … مُعاوَدَةُ القَمَرِ الآفِلِ

دَعا فسَمِعتَ وكمْ ساكِتٍ … على البُعدِ عِندَكَ كالقائِلِ

فَلَبّيْتَهُ بِكَ في جَحْفَلٍ … لَهُ ضامِنٍ وبِهِ كافِلِ

خَرَجنَ منَ النّقْعِ في عارِضٍ … ومنْ عرَقِ الرّكضِ في وابِلِ

فَلَمّا نَشِفْنَ لَقِينَ السِّياطَ … بمِثْلِ صَفَا البَلَدِ الماحِلِ

شَفَنَّ لخَمْسٍ إلى مَنْ طَلَبنَ … قُبَيْلَ الشُّفُونِ إلى نازِلِ

فَدانَتْ مَرافِقُهُنّ الثّرَى … على ثِقَةٍ بالدّمِ الغاسِلِ

وما بَينَ كاذَتَيِ المُسْتَغِيرِ … كمَا بَينَ كاذَتَيِ البائِلِ

فَلُقِّينَ كُلَّ رُدَيْنِيّةٍ … ومَصبُوحَةٍ لَبَنَ الشّائِلِ

وجَيشَ إمَامٍ على ناقَةٍ … صَحيحِ الإمامَةِ في الباطِلِ

فأقْبَلْنَ يَنْحَزْنَ قُدّامَهُ … نَوافِرَ كالنّحْلِ والعاسِلِ

فلَمّا بدَوْتَ لأصْحابِهِ … رَأت أُسْدُها آكِلَ الآكِلِ

بضَرْبٍ يَعُمّهُمُ جائِرٍ … لَهُ فيهِمِ قِسمَةُ العادِلِ

وطَعْنٍ يُجَمِّعُ شُذّانَهُمْ … كمَا اجتَمَعَتْ دِرّةُ الحافِلِ

إذا ما نَظَرْتَ إلى فارِسٍ … تَحَيّرَ عَنْ مَذْهَبِ الرّاجِلِ

فظَلّ يُخَضِّبُ مِنها اللّحَى … فَتًى لا يُعيدُ على النّاصِلِ

ولا يَسْتَغيثُ إلى ناصِرٍ … ولا يَتَضَعْضَعُ مِنْ خاذِلِ

ولا يَزَعُ الطِّرْفَ عَنْ مُقدَمٍ … ولا يرْجعُ الطَّرْفَ عنْ هائِلِ

إذا طَلَبَ التَّبْلَ لم يَشْأهُ … وإنْ كانَ دَيْناً على ماطِلِ

خُذُوا ما أتاكمْ بهِ واعذِرُوا … فإنّ الغَنيمَةَ في العاجِلِ

وإنْ كانَ أعجَبَكُم عامُكُمْ … فعُودوا إلى حِمْصَ في القابِلِ

فإنّ الحُسامَ الخَضيبَ الذي … قُتِلْتُمْ بهِ في يَدِ القاتِلِ

يَجودُ بمِثْلِ الذي رُمْتُمُ … فلَمْ تُدْرِكوهُ على السّائلِ

أمامَ الكَتيبَةِ تُزْهَى بِهِ … مَكانَ السّنانِ منَ العامِلِ

وإنّي لأعْجَبُ مِنْ آمِلٍ … قِتالاً بكُمٍّ على بازِلِ

أقالَ لَهُ الله لا تَلْقَهُمْ … بماضٍ على فَرَسٍ حائِلِ

إذا ما ضرَبْتَ بهِ هامَةً … بَراها وغَنّاكَ في الكاهِلِ

ولَيسَ بأوّلِ ذي هِمّةٍ … دَعَتْهُ لِمَا لَيسَ بالنّائِلِ

يُشَمّرُ لِلُّجِّ عَنْ ساقِهِ … ويَغْمُرُهُ المَوْجُ في السّاحِلِ

أمَا للخِلافَةِ مِنْ مُشْفِقٍ … على سَيفِ دَوْلَتِها الفاصِلِ

يَقُدّ عِداها بِلا ضارِبٍ … ويَسْري إلَيهِمْ بِلا حامِلِ

ترَكْتَ جَماجِمَهمْ في النَّقَا … وما يَتَحَصّلْنَ للنّاخِلِ

وأنْبَتَّ مِنْهُمْ رَبيعَ السّباعِ … فأثْنَتْ بإحسانِكَ الشّامِلِ

وعُدْتَ إلى حَلَبٍ ظافِراً … كَعَوْدِ الحُليّ إلى العاطِلِ

ومِثْلُ الذي دُسْتَهُ حافِياً … يُؤثّرُ في قَدَمِ النّاعِلِ

وكَمْ لَكَ مِنْ خَبَرٍ شائعٍ … لَهُ شِيَةُ الأبْلَقِ الجائِلِ

ويَوْمٍ شَرابُ بَنيهِ الرّدَى … بَغيضِ الحُضورِ إلى الواغِلِ

تَفُكّ العُناةَ وتُغْني العُفاةَ … وتَغفِرُ للمُذْنِبِ الجاهِلِ

فَهَنّأكَ النّصْرَ مُعْطيكَهُ … وأرْضاهُ سَعْيُكَ في الآجِلِ

فَذي الدّارُ أخونُ من مُومِسٍ … وأخدَعُ مِن كَفّةِ الحابِلِ

تَفَانَى الرّجالُ على حُبّها … وما يَحْصُلُونَ على طائِلِ