إذا كان مدح فالنسيب المقدم – المتنبي

إذا كانَ مَدحٌ فالنّسيبُ المُقَدَّمُ … أكُلُّ فَصِيحٍ قالَ شِعراً مُتَيَّمُ

لَحُبّ ابنِ عَبدِالله أولى فإنّهُ … بهِ يُبدَأُ الذّكرُ الجَميلُ وَيُختَمُ

أطَعْتُ الغَواني قَبلَ مَطمَحِ ناظري … إلى مَنظَرٍ يَصغُرنَ عَنهُ وَيَعْظُمُ

تَعَرّضَ سَيْفُ الدّولَةِ الدّهرَ كلّهُ … يُطَبِّقُ في أوصالِهِ وَيُصَمِّمُ

فَجازَ لَهُ حتى على الشّمسِ حكمُهُ … وَبَانَ لَهُ حتى على البَدرِ مِيسَمُ

كأنّ العِدَى في أرضِهِم خُلَفاؤهُ … فإن شاءَ حازُوها وإن شاءَ سلّمُوا

وَلا كُتْبَ إلاّ المَشرَفيّةُ عِنْدَهُ … وَلا رُسُلٌ إلاّ الخَميسُ العَرَمْرَمُ

فَلَم يَخْلُ من نصرٍ لَهُ مَن لهُ يَدٌ … وَلم يَخْلُ مِن شكرٍ لَهُ من له فَمُ

ولم يَخْلُ من أسمائِهِ عُودُ مِنْبَرٍ … وَلم يَخْلُ دينارٌ وَلم يَخلُ دِرهَمُ

ضَرُوبٌ وَما بَينَ الحُسامَينِ ضَيّقٌ … بَصِيرٌ وَما بَينَ الشّجاعَينِ مُظلِمُ

تُباري نُجُومَ القَذفِ في كلّ لَيلَةٍ … نُجُومٌ لَهُ مِنْهُنّ وَردٌ وَأدْهَمُ

يَطَأنَ مِنَ الأبْطالِ مَن لا حَملنَهُ … وَمِن قِصَدِ المُرّانِ مَا لا يُقَوَّمُ

فَهُنّ مَعَ السِّيدانِ في البَرّ عُسَّلٌ … وَهُنّ مَعَ النّينَانِ في المَاءِ عُوَّمُ

وَهُنّ مَعَ الغِزلانِ في الوَادِ كُمَّنٌ … وَهُنّ مَعَ العِقبانِ في النِّيقِ حُوَّمُ

إذا جَلَبَ النّاسُ الوَشيجَ فإنّهُ … بِهِنّ وَفي لَبّاتِهِنّ يُحَطَّمُ

بغُرّتِهِ في الحَربِ والسّلْمِ والحِجَى … وَبَذلِ اللُّهَى وَالحمدِ وَالمجدِ مُعلِمُ

يُقِرُّ لَهُ بالفَضلِ مَن لا يَوَدُّهُ … وَيَقضِي لَهُ بالسّعدِ مَن لا يُنَجِّمُ

أجَارَ على الأيّامِ حتى ظَنَنْتُهُ … يُطالِبُهُ بالرّدّ عَادٌ وَجُرهُمُ

ضَلالاً لهذِي الرّيحِ ماذا تُرِيدُهُ … وَهَدياً لهذا السّيلِ ماذا يُؤمِّمُ

ألم يَسألِ الوَبْلُ الذي رامَ ثَنْيَنَا … فَيُخبرَهُ عَنْكَ الحَديدُ المُثَلَّمُ

وَلمّا تَلَقّاكَ السّحابُ بصَوبِهِ … تَلَقَّاهُ أعلى منهُ كَعْباً وَأكْرَمُ

فَبَاشَرَ وَجْهاً طالَمَا بَاشَرَ القَنَا … وَبَلّ ثِياباً طالَمَا بَلّهَا الدّمُ

تَلاكَ وَبَعضُ الغَيثِ يَتبَعُ بَعضَهُ … مِنَ الشّأمِ يَتْلُو الحاذِقَ المُتَعَلِّمُ

فزارَ التي زارَت بكَ الخَيلُ قَبرَها … وَجَشّمَهُ الشّوقُ الذي تَتَجَشّمُ

وَلمّا عَرَضتَ الجَيشَ كانَ بَهَاؤهُ … على الفَارِسِ المُرخى الذؤابةِ منهُمُ

حَوَالَيْهِ بَحْرٌ للتّجافيفِ مَائِجٌ … يَسيرُ بهِ طَودٌ مِنَ الخَيلِ أيْهَمُ

تَسَاوَت بهِ الأقْطارُ حتى كأنّهُ … يُجَمِّعُ أشْتاتَ الجِبالِ ويَنْظِمُ

وكُلُّ فَتًى للحَربِ فَوقَ جَبينِهِ … منَ الضّربِ سَطْرٌ بالأسنّةِ مُعجَمُ

يَمُدُّ يَدَيْهِ في المُفاضَةِ ضَيْغَمٌ … وَعَيْنَيْهِ من تَحتِ التّريكةِ أرقَمُ

كَأجْنَاسِهَا راياتُهَا وَشِعارُهَا … وَمَا لَبِسَتْهُ وَالسّلاحُ المُسَمَّمُ

وَأدّبَهَا طُولُ القِتالِ فَطَرفُهُ … يُشيرُ إلَيْهَا مِن بَعيدٍ فَتَفْهَمُ

تُجاوِبُهُ فِعْلاً وَما تَسْمَعُ الوَحَى … وَيُسْمِعُها لَحْظاً وما يَتَكَلّمُ

تَجانَفُ عَن ذاتِ اليَمينِ كأنّهَا … تَرِقّ لِمَيّافَارَقينَ وَتَرحَمُ

وَلَو زَحَمَتْهَا بالمَناكِبِ زَحْمَةً … دَرَت أيُّ سورَيها الضّعيفُ المُهَدَّمُ

على كُلّ طاوٍ تَحْتَ طاوٍ كَأنّهُ … من الدّمِ يُسقى أو من اللّحم يُطعَمُ

لها في الوَغَى زِيّ الفَوارِسِ فَوقَهَا … فكُلّ حِصانٍ دارِعٌ مُتَلَثّمُ

وما ذاكَ بُخْلاً بالنّفُوسِ على القَنَا … وَلَكِنّ صَدْمَ الشّرّ بالشّرّ أحزَمُ

أتَحْسَبُ بِيضُ الهِندِ أصلَكَ أصلَها … وَأنّكَ منها؟ سَاءَ ما تَتَوَهّمُ

إذا نَحْنُ سَمّيْناكَ خِلْنَا سُيُوفَنَا … منَ التّيهِ في أغْمادِها تَتَبَسّمُ

وَلم نَرَ مَلْكاً قَطّ يُدْعَى بدُونِهِ … فيَرضَى وَلكِنْ يَجْهَلُونَ وتَحلُمُ

أخَذْتَ على الأرواحِ كُلّ ثَنِيّةٍ … من العيشِ تُعطي مَن تَشاءُ وَتحرِمُ

فَلا مَوتَ إلاّ مِن سِنانِكَ يُتّقَى … وَلا رِزقَ إلاّ مِن يَمينِكَ يُقْسَمُ