إبن السبيل – عبدالله البردوني

سار والدرب ركام من غباء … كل شبر فيه شيطان بدائي

كان يرتد ويمضي مثلما … تخبط الريح ، مضيقا من عناء

بين جنبيه ، جريح هارب … من يد الموت ، ومسلول فدائي

يصلب الخطو على ذعر الحصى … وعلى جذع مديد من شقاء

وعلى منعطف أو شارع … من دم الذكرى وأنقاض الرجاء

من يعي يسأله : أين أنا؟ … ضاع قدامي ، كما ضاع ورائي

والى لا منتهى هذا السرى … في المتاهات ، ومن غير ابتداء

انني أخطو على شلوى وفي … وهوهات الريح ، أشتم دمائي

من يؤاويني ؟ ايصغي منزل … لو أنادي ، أو يعي أي خباء ؟

الممرات مغارات لها … وثبة الجن، وإجفال الظباء

وهناك الشهب غربان ، بلا … أعين ، تجتاز غيما لا نهائي

وهنا الشمس عجوز ، تحتسي … ظلّها ، تصبو إلى تحديق رائي

من دنا منسّي ؟ وكالطيف النوى … ونأى ، خلف خيالات التنائى

من وراء التلّ عنّت غابة … من أفاع ، وكهوف من عواء

وعيون ، كالمرايا ، لمعت … في وجوه ، من رماد وانحناء

انه حشد ، بلا اسم وجهه … خلفه مرآه تزوير الطلاء

من يرى ؟ أي زحام ودرى … انه يرنو إلى زيف الخواء ؟

وبلا زاد ولا درب مضى … كالخيالات الكسيحات الظماء

تخفق الأحزان ، في أهدابه … وتناغي ، كعصافير الشتاء

ينحني، يستفسر الاطراق من … وجهه الذاوي ، وعن باب مضاء

عن يد ، صيفية اللّمس وعر شرفة … جذلى ، وعن نبض غناء

وتأنت نجمة أرسى على … جفنها طيف ، خريفيّ الرّداء

فتملاها مليّا وارتدى … جوّ عينيه ، أصيلا من صفاء

والتظى برق ، تضنّى خلفه … ألف دنيا ، من ينابيع السخاء

وبلا وعي دنا ، من كوخه … كغريق ، عاد من حلق الفناء

فأحسّ الباب يلوي حوله … ساعدي شوق ، وحضنا من بكاء

اين من يسأله ، يخبره … عن مآسيه فيحنو أو يرائي؟

وجثا ، يحنو عليه منزل … سقفه الثلج ، وجدران المساء

وكما تنجرّ أمّ ضيّعت … طفلها ، يبحث عن أدنى غذاء

يجتدي الصمت نداء أو يدا … أو فما يفترّ ، أو رجع نداء

ويداري السّهد أو يرنو الى … ظلّه ، يختال في ثوب نسائي

فتعاطيه مناه أكؤسا … من دخان ، واحتضانا من هباء

تحتسي أنفاسه أمسية … عاقر ، تمتص ألوان الهواء

هل هنا لابن سبيل الريح من … موعد ؟ أو ها هنا دفء لقاء ؟

عاد من قفر دخاني ، الى … عامر ، أقفر من ليل العراء

وغدا يبتديء الأشواط من … حيث أنهاها ، إلى غير انتهاء

يقطع التيّه ، إلى التيه ، بلا … شوق أسفار ، ولا وعد انثناء

وبلا ذكرى ، ولا سلوى رؤى … وبلا أرض ، ولا ظل سماء

عمره دوّامة من زئبق … وسهاد ، وطريق من غباء