أُعاتِبُ فيكَ الدّهرَ، لو أعتبَ الدّهرُ – أسامة بن منقذ

أُعاتِبُ فيكَ الدّهرَ، لو أعتبَ الدّهرُ … وأستَنجِدُ الصَّبرَ الجميلَ، ولا صَبرُ

وأسأل عن نهج السلو وقد بدا … لَعينَيَّ، إلاَّ أنَّ مسلَكه وعرُ

وكيف التسلي والحوادث جمة … إذا ما انقضى أمر يسوء أتى أمر

رمَتِنيَ في عشْرِ الثَّمانِينَ نكبة ٌ … من الثكل يوهي حملها من له عشر

على حينَ أفْنَى الدَّهرُ قَومي، ولم تَزَلْ … لهم ذروة العلياء والعدد الدثر

إذا حاربُوا فالأُسدُ تحمي عرينها … وإن سالموا كان التبتل والذكر

تُبيحُ وتَحمِي منذ كَانت سيُوفُهم: … يُباحُ بها ثَغْرٌ، ويُحمى بها ثَغرُ

مَضَوْا، وانطَوَتْ دُنياهُمُ، وتَصَرَّمتْ … كأنَّهمُ ما عَمُروا، ولهَا نَشرُ

فلم يبق إلا ذكرهم وتأسفي … عليهم، ولَن يبقى التأسُّفُ، والذِّكرُ

وأصبحتُ لا آلُ يُلبُّون دعوتي … ولا وطنٌ آوِي إليه، ولا وفْرُ

كأني من غير التراب فليس لي … من الأرض ذات العرض دون الورى شبر

رُزئتُ أبَا بكرٍ، على شَغَفِي به … فيا لهفتا ماذا جني الحادث البكر

لِسبعٍ مَضتْ من عُمرِه، غالَه الرَّدى َ … وكنتُ أُرجّي أن يطولَ به العُمْرُ

وقلتُ: عتيقٌ من خُطوبِ زِمانِه … عتيقٌ بهذا يُخبرُ الفأْلُ والزّجْرُ

فعاجله قبل التمام حمامه … ولا عجبٌ، قد يُخْضَدُ الغُصُنُ النَّضْرُ

ويأمرني فيه الأخلاء بالأسى … وهيهات مالي بالأسى بعده خبر

يَقولون: كَم هَذا البكاءُ، ولو بَدَا … ضَميرُ الَّذي بي، رَقَّ لي، وبكَى الصّخرُ

وكنتُ أظنّ الدّمعَ يُبْرِدُ غُلَّتِي … إلى أن بَدا لي أنّ دمعَ الأسى جَمرُ

أبا بكر ما وجدي عليك بمنقض … طوال الليالي ما انقضى اليوم والشهر

أطلت علي الليل حتى كأنما … زماني ليل كله ماله فجر

وإنِّي لأسْتَدعِي الكَرى ، وهو نافرٌ … به من جُفوني أن يُلَّمِ بها ذُعر

لعل خيالاً منك يطرق مضجعي … فأشكو إليه ما رماني به الدهر

تمثلك الأفكار لي كل ليلة … وتؤنسني أشباهك الأنجم الزهر

إذا لج بي شوق أتيتك زائراً … فأرجعُ كالمخبولِ دلَّهَه السِّحرُ

وماالقُربُ من قبرٍ أجَنَّكَ نَافعي … إذا كان فيما بيننا للثرى ستر

أقولُ لنفسي، حينَ جدَّ نِزاعُها … عليك بحسن الصبر إن أمكن الصبر

ألسَنا بني الموتَى ، إليهم مآلُنا … بلا مِرْية ٍ، والفرعُ يَجذبُه النَّجْرُ

فنحن كسفر عرسوا ووراءهم … رِفاقٌ، إذا وافَوْهُمُ رحَل السَّفْرُ

من الأرض أنشئنا وفيها معادنا … ومنها يكون النشر والبعث والحشر

هي الأم لا بر لديها وردنا … إلى بطنها بعد الولاد هو البر

ثكول ولا دمع لها إثر هالك … وكلُّ رَقوبٍ ثاكلٍ دمعُها هَمْرُ

أضلَّ الورى حبُّ الحياة ِ، فحازِمٌ … خبيرٌ سواءٌ في الضَّلالة ِ والغِرُّ

فلا يأمنَنْ غَدْرَ الليالِيَ کمنٌ … وإن أمهلته إن إمهالها ختر

تُعيرُ، وبالقَسرِ العنيفِ ارتجاعُها … ولا خير في عاربة ردها القسر

ونحنُ عليها عاكِفُون، وليسَ في … مواهبها عقبى تسر ولا يسر

فما بالنا في سكرة من طلابها … ومنْ نَالها منَّا يَزِيْدُ به السُّكرُ

مضَى مَن مضَى مِمَّن حَبته، فأكثَرتْ … وراحته من كل ما جمعت صفر

وما نال أيام الحياة من الغنى … عن الفقر في يوم المعاد هو الفقر

يحاسب عن قطميره ونقيره … ولم يتبعه منه كثر ولا نزر

وهذا هو الخُسرُ المبينُ، فما لنا … حراص على أمر عواقبه خسر

وقد كان في آبائِنا زاجرٌ لنا … يبصرنا لو كان يردعنا الزجر

تفانَوْا، فبطنُ الأرضِ مِن بعدِ وحشَة ٍ … بهم آهِلٌ مَستأنِسٌ، وخلاَ الظَّهرُ

وقد دَرَستْ آثارُهم وقبورُهم … كما درسوا فيها فليس لها أثر

فهل ليَ في هَذِي المواعِط وَاعِظٌ … يُبرَدُ ما يُخفي من الكَمَدِ الصَّدرُ

يَحُثُّ على الصَّبرِ الجميلِ، فإنَّه … يُنالُ به حُسنُ المعُوضَة ِ والآجرُ

ومَن نَزعَت أيدي المنية ِ مِن يَدي … هو الذّخرُ لي، في يومِ يَنْفَعُنِي الذُّخْرُ