أَرى نَفحة ً دَلَّت على كَبِدى الوَجدا – محمود سامي البارودي
أَرى نَفحة ً دَلَّت على كَبِدى الوَجدا … فمَن كانَ ” بالمقياسِ ” أقرَبكُم عَهدا ؟
مَلاعبُ آرامٍ ، ومجرَى جَداوِلٍ … ومُلتفُّ أفنانٍ تَقى الحرَّ والبردَا
إذا انبعَثتْ فيهِ النسائِمُ خِلتَها … تُنيرُ على متنِ الغديرِ بهِ بردا
كَأَنَّ الصَّبَا تُلْقِي عَلَيْهِ إِذَا جَرَتْ … مَسَائِلَ في الأَرْقَامِ، أَوْ تَلْعَبُ النَّرْدَا
أَقَامَ الرَّبِيعُ الطَّلْقُ في حَجَرَاتِهَا … وأسدى لها مِن نِعمة النيلِ ما أسدى
فللَّهِ كَم مِن صَبوة ٍ كانَ لى بِها … رَواحٌ إلى حُسَّانَة ِ الجيدِ أَو مغدَى
إذِ الدهرُ لم يُخفِر ذِماماً ، ولم يخُن … نِظاماً ، ولم يحمِل على ذى هوى ً حِقدا
تَدُورُ عَلَيْنَا بِالأَحَاظِي شُمُوسُهُ … وَتُمْسِي علَيْنَا طَيْرُ أَنْجُمِهِ سَعْدَا
وَيا رُبَّ لَيْلٍ لَفَّنَا بِرِدَائِهِ … عِنَاقاً، كَمَا لَفَّ الصَّبَا الْبَانَ والرَّنْدَا
وَلَثْمٍ تَوَالَى إِثْرَ لَثْمٍ بِثَغْرِهَا … كما شافهَ البازِى على ظمأ وردا
فَتَاة ٌ كَأَنَّ اللَّه صَوَّرَ لَحْظَهَا … لِيَهتِكَ أسرارَ القُلوبِ بهِ عَمدا
لها عبثاتٌ عندَ كُلِّ تَحِيَّة ٍ … تَسوقُ إليهَا عَن فرائسِها الأُسدا
إِذَا انْفَتَلَتْ بِالْكَأْسِ خِلْتَ بَنَانَها … تُدِيرُ عَلَيْنَا مِنْ جَنَى خَدِّهَا وَرْدَا
وما أنسهُ لا أنسَ يوماً تسابقَت … بهِ عبرتاها ، والنوى تصدَعُ الصَلدا
فلَم أَرَ لحظاً كانَ أَقتلَ باكِياً … وأمضى الظُبا فى الفتكِ ما سالَ إفرندا
حرامٌ على العينينِ إن لم تسِل دماً … عَلَى بَيْنِهَا وَالْقَلْبِ إِنْ لَمْ يَذُبْ وَقْدَا
فيا قلبُ ماأشجى إذا الدارُ باعدَت … وَيَا دَمْعُ مَا أَجْرَى ، وَيَا بَيْنُ مَا أَرْدَى
ويا صاحبى المذخورَ للسرِّ إنَّنى … ضَلَلتُ ، فهل من وثبة ٍ تُكسبُ الحمدَا ؟
حَلَفْتُ بِمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ نِقَابُهَا … ويا لكَ حَلفاً ما أرَقَّ وماأندى
بألاَّ تَفئَ العينَ عن سُنَّة ِ البُكى … وألا تريعَ النفسُ إن لم تمُت وجدا
وكيفَ يفيقُ القلبُ من سورة ِ الهوى … وَقَدْ مَدَّهُ سِحْرُ الْعُيُونِ بِمَا مَدَّا؟
وَمَا كُنْتُ لَوْلاَ الْعَذْلُ أُبْدِي خَفِيَّة ً … ولكن تَوالى القدحِ يسترعِفُ الزندا
ومَنْ لِي بَأَنَّ الْقَلْبَ يَكْتُمُ وَجْدَهُ؟ … وَكَيْفَ تُسَامُ النَارُ أَنْ تَكْتُمَ النَّدَّا؟
فلا وصلَ إلاَّ ذُكرَة ٌ تَبعَثُ الأسى … عَلَى النَّفْسِ حَتَّى لا تُطِيقَ لَهُ رَدَّا
أَبِيتُ قَرِيحَ الْجَفْنِ، لا أَعْرِفُ الْكَرَى … طَوالَ اللَّيالى ، والجوانِحُ لا تهدا
فَيَأَيُّهَا النُّوَّامُ والشَّوْقُ عَازِرٌ … ألا أحدٌ يَشرِى بغفوتهِ السُهدا ؟
لَقَدْ ذَلَّ مَنْ يَبْغِي مِنَ النَّاسِ نَاصِراً … وقَد خابَ من يجنى منَ الأَرقَمِ الشَهدا
فَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ بِشِيْمَة ِ صاحِبٍ … فَمَنْ ظَنَّ خيْراً بِالزَّمَانِ فَقَدْ أَكْدَى
فقد طالما جرَّبت خِلاًّ فما رعَى … وَحِلْفاً فَمَا أَوْفَى ، وَعَوْناً فَمَا أَجْدَى
وما النَّاسُ إلا طالبٌ غيرُ واجدٍ … لِما يَبْتَغِي، أَوْ وَاجِدٌ أَخْطَأَ الْقَصْدَا
فلا تحسبنَّ الناسَ أبناءَ شيمَة ٍ … فَمَا كُلُّ مَمْدُودِ الْخُطَا بَطَلاً جَعْدَا
كلمات: محمد العبدالله الفيصل
ألحان: طلال مداح