أيدري الربع أي دم أراقا – المتنبي
أيَدْري الرَّبْعُ أيَّ دَمٍ أراقَا … وَأيَّ قُلُوبِ هذا الرّكْبِ شَاقَا
لَنَا ولأهْلِهِ أبَداً قُلُوبٌ … تَلاقَى في جُسُومٍ ما تَلاقَى
ومَا عَفَتِ الرّياحُ لَهُ مَحَلاًّ … عَفَاهُ مَنْ حَدَا بِهِمِ وَسَاقَا
فَلَيْتَ هوَى الأحبّةِ كانَ عَدلاً … فَحَمّلَ كُلّ قَلبٍ ما أطَاقَا
نَظَرْتُ إلَيْهِمِ والعَينُ شَكْرَى … فَصارَتْ كُلّهَا للدّمعِ مَاقَا
وَقَدْ أخَذَ التّمامَ البَدْرُ فيهِمْ … وَأعْطاني مِنَ السّقَمِ المُحاقَا
وَبَينَ الفَرْعِ والقَدَمَينِ نُورٌ … يَقُودُ بِلا أزِمّتِهَا النّياقَا
وَطَرْفٌ إنْ سَقَى العُشّاقَ كأساً … بهَا نَقْصٌ سَقانِيهَا دِهَاقَا
وَخَصْرٌ تَثْبُتُ الأبْصارُ فِيهِ … كأنّ عَلَيْهِ مِن حَدَقٍ نِطاقَا
سَلي عَنْ سِيرَتي فَرَسي ورُمحي … وَسَيْفي والهَمَلَّعَةَ الدِّفَاقَا
تَرَكْنَا من وَرَاءِ العِيسِ نَجْداً … وَنَكّبْنَا السّماوَةَ والعِراقَا
فَمَا زالَتْ تَرَى واللّيلُ داجٍ … لِسَيفِ الدّوْلَةِ المَلِكِ ائتلافَا
أدِلّتُهَا رِياحُ المِسْكِ مِنْهُ … إذا فَتَحَتْ مَناخِرَهَا انتِشاقَا
أبَاحَكِ أيّهَا الوَحْشُ الأعَادي … فَلِمْ تَتَعَرّضِينَ لَهُ الرّفَاقَا
وَلَوْ تَبّعْتِ ما طَرَحَتْ قَنَاهُ … لَكَفّكِ عَن رذَايَانَا وَعَاقَا
وَلَوْ سِرْنَا إلَيْهِ في طَرِيقٍ … مِنَ النّيرانِ لمْ نَخَفِ احتِرَاقَا
إمَامٌ للأئِمّةِ مِنْ قُرَيْشٍ … إلى مَنْ يَتّقُونَ لَهُ شِقَاقَا
يَكونُ لهُمْ إذا غَضِبُوا حُساماً … وَللهَيْجاءِ حينَ تَقُومُ سَاقَا
فَلا تَسْتَنْكِرَنّ لَهُ ابْتِساماً … إذا فَهِقَ المَكَرُّ دَماً وَضَاقَا
فَقَدْ ضَمِنَتْ لَهُ المُهَجَ العَوَالي … وَحَمّلَ هَمَّهُ الخَيْلَ العِتَاقَا
إذا أُنْعِلْنَ في آثَارِ قَوْمٍ … وَإنْ بَعُدُوا جَعَلْنهُمُ طِرَاقَا
وَإنْ نَقَعَ الصّريخُ إلى مَكَانٍ … نَصَبْنَ لَهُ مُؤلَّلَةً دِقَاقَا
فَكَانَ الطّعْنُ بَيْنَهُمَا جَوَاباً … وَكانَ اللّبْثُ بَيْنَهُما فُوَاقَا
مُلاقِيَةً نَواصِيهَا المَنَايَا … مُعاوِدَةً فَوَارِسُهَا العِنَاقَا
تَبِيتُ رِمَاحُهُ فَوْقَ الهَوَادي … وَقَدْ ضَرَبَ العَجاجُ لَها رِوَاقَا
تَميلُ كأنّ في الأبْطالِ خَمْراً … عُلِلْنَ بها اصْطِباحاً وَاغْتِبَاقَا
تَعَجّبَتِ المُدامُ وَقَدْ حَسَاهَا … فَلَمْ يَسكَرْ وَجادَ فَما أفَاقَا
أقامَ الشِّعْرُ يَنْتَظِرُ العَطَايَا … فَلَمّا فَاقَتِ الأمْطارَ فَاقَا
وَزَنّا قِيمَةَ الدّهْمَاءِ مِنْهُ … وَوَفّيْنا القيَانَ بِهِ الصَّداقَا
وَحاشا لارْتِياحِكَ أنْ يُبارَى … وَللكَرَمِ الذي لَكَ أنْ يُبَاقَى
وَلَكِنّا نُداعِبُ مِنْكَ قَرْماً … تَرَاجَعَتِ القُرُومُ لَهُ حِقَاقَا
فَتًى لا تَسْلُبُ القَتْلَى يَداهُ … ويَسْلُبُ عَفْوُهُ الأسرَى الوِثَاقَا
وَلم تَأتِ الجَميلَ إليّ سَهْواً … وَلم أظْفَرْ بهِ مِنْكَ استِراقَا
فَأبْلِغْ حاسِدِيّ عَلَيْكَ أنّي … كَبَا بَرْقٌ يُحاوِلُ بي لَحاقَا
وَهَلْ تُغْني الرّسائِلُ في عَدُوٍّ … إذا ما لم يَكُنَّ ظُبًى رِقَاقَا
إذا ما النّاسُ جَرّبَهُمْ لَبِيبٌ … فإنّي قَدْ أكَلْتُهُمُ وَذاقَا
فَلَمْ أرَ وُدّهُمْ إلاّ خِداعاً … وَلم أرَ دينَهُمْ إلاّ نِفَاقَا
يُقَصّرُ عَن يَمينِكَ كُلُّ بحْرٍ … وَعَمّا لم تُلِقْهُ مَا ألاقَا
وَلَوْلا قُدْرَةُ الخَلاّقِ قُلْنَا … أعَمْداً كانَ خَلْقُكَ أمْ وِفَاقَا
فَلا حَطّتْ لَكَ الهَيْجَاءُ سَرْجاً … وَلا ذاقَتْ لَكَ الدّنْيَا فِراقَا