أهلي قد أنى لك أن تهلي – ابن دارج القسطلي

أهلي قد أنى لك أن تهلي … إلى صوب الغمام المستهل

فمدي طرف ناظرة تريني … تمكن مغرسي فيه وأصلي

سنا برق تلألأ عن ذمامي … وصوب حيا تجلى عن محلي

ودونك مبركا في فيء ظل … يريك بأنه فيئي وظلي

هو الظل الذي قارعت عنه … حصى الرمضاء دامية الأظل

وهذا موعد الأمل المنادي … سراك سروره ألا تملي

ونور الفجر من إظلام ليل … أضاء نجومه لك أن تضلي

أوان يفتر الإمساء جهدي … فأطلب في سنا الإصباح ذحلي

ويرمد في هجير القيظ جفني … فأجعل من سواد الليل كحلي

لكيما تعلمي في أي مأوى … من الملك الرفيع وضعت رحلي

ويصدقك العيان بأي حبل … من ابن العامري وصلت حبلي

وحسبك قوله أهلا وسهلا … بما جاوزت من حزن وسهل

فسيحي وارتعي كلأ إليه … على ظلع الكلال حملت كلي

مدى لك كان منك مدى كريم … فكوني منه في حل وبل

وقد قضت المكارم أن تعزي … كما قضت المكاره أن تذلي

فرعيا في حمى ملك رعاني … فحل قيود ترحالي وحلي

مدى عبد العزيز وأي عز … أنخت إليه ذلا فوق ذل

فعوض منك في مثواه بري … وأذهل عنك في مثواه نزلي

وعن مثنى زمامك في يميني … شبا قلم على الدنيا مطل

يمل عليه مؤتمن المعالي … مساعيه فيستملي ويملي

ويسمع في صرير الخط منه … خطابا لا يمل من الممل

لجدك كان أول سعد جدي … وأغدق بارق في جو محلي

وأحنى موتر برضاه قوسي … وأحفى رائش بنداه نبلي

كساني العز لبسا بعد لبس … وسقانيه سجلا بعد سجل

وصير ما حمى حرمي حراما … على عدو الزمان المستحل

ووطأ في مكارمه مهادي … وأعلى في مراتبه محلي

وكم حلى يدي من ذي عنان … ودل إلى يدي من ذات دل

فحقا ما تركت عليه بعدي … ثناء أعجز المثنين قبلي

فأمطرت الورى رطبا جنيا … وما سقيت بغير نداه نخلي

وسقيت النهى أريا مشورا … وما جرست سوى نعماه نحلي

هو الملك الذي لم يبق مثلا … سواك ولا لنظم علاك مثلي

ويبخسني الزمان ولو وفى لي … بحظي لاشتكى جهد المقل

ولو أني سللت عليه سيفا … تقلدني لباء بشسع نعلي

وكم من شاهد عدل عليه … بظلمي لو قضى قاض بعدل

ولو سم جدك المنصور أدعو … إليه لم يسمني سوم مطل

وأنت ورثته طفلا ولكن … رجحت على الرجال بحلم كهل

بما رداك من هدي وبر … وما حلاك من قول وفعل

فغض من البدور سنا هلال … وهد من الليوث زئير شبل

وأنت أمينه في كل سعي … سقى نهلا لتتبعه بعل

محافظ عهده في قود جيش … بأعباء الوقائع مستقل

وتالي شأوه في كل فخر … وثاني سعيه في كل فضل

وفيض يمينه والحمد يغلو … ونور جبينه والحرب تغلي

بكل أغر فوق أغر يصلى … جحيم الحرب مقتحما ويصلي

يلوث الدرع منه بليث بأس … يصول على العدى بأصم صل

وكل عقاب شاهقة تجلى … أناسي الحتوف لما تجلي

بري السيف من دهش وجبن … وحر الصدر من غدر وغل

وما يثنى السنان بغير قصف … ولا حد الحسام بغير فل

جلوت لهم معالم ذكرتهم … معالم جدك الملك الأجل

سلكت سبيله هديا بهدي … وقمت مقامه مثلا بمثل

وأخلصت الصلاة إلى المصلى … فبورك في المصلى والمصلي

وقد خفقت عليك بنود عز … علت والله أعلاها ويعلي

كما خفقت علي قلوب غيد … أمر لهن دوني وهو محل

بما أثبت فيه من يقيني … وما حققت فيه من لعلي

وما راعيت فيه من ذمامي … وما أدنيت فيه من محلي

فلا زلت المفدى والمرجى … نداه للغريب وللمقل

ونورا في الظلام لمستنير … وظلا في الهجير لمستظل