أنَّى دعاهُ الشَّوقُ فارتاحا – بشار بن برد

أنَّى دعاهُ الشَّوقُ فارتاحا … مِن بَعْد ما أصْبَحَ جَمَّاحا

ذكَّره عهدَ الصَّبى صاحبٌ … كَان لَهُ إِذَّاكَ مِفْتاحا

أيَّام عبادة ُ من شأنهِ … إِنْ لَمْ يَزُرْهَا بَاكِراً راحا

الْقَلْبُ مَشْغُوفٌ بِما قدْ مضى … يلقى من الأحزانِ أتراحا

وَكَيْفَ لاَ يَصْبُو إلى غَادة … تكْفِيك في الظَّلْماء مِصْباحا

سحَّارة ُ الْعَيْنِ لَها صُورة ٌ … جاد عليها الحسنُ سحَّاحا

كأن ثلجاً بين أسنانها … مُسْتشْرِكاً راحاً وتُفَّاحا

كاتمتُ ما ألقى إلى وجهِها … حتَّى إذا عذَّبني باحا

كفى خليليّ هوى ً شفَّني … لا يعْدمُ النّاصِحُ أنْصاحا

قولا لمن لم تريا مثلهُ … في محْفلٍ جِسْماً وألْواحا:

كُرِّي لَنَا الْعَيْش الَّذِي قَدْ مَضَى … ما كَان ذاك الْعَيشُ ضحْضاحا

لاَ كُنْتُ إِنْ كُنْتُ تناسيْتُكُمْ … لهائجٍ بعدكمو ناحا

في حلَّتي جسمُ فتى ً ناحلٍ … لَوْ هبَّتِ الرَّيحُ لَهُ طَاحا

كان الشَّقا حُبَّى مدينية ً … راحت بها دارٌ وما راحا

أرْعى بِها النَّجْمَ وما رغْبتِي … نجماً بطرفِ العينِ لمَّاحا

أذابِحِي الشَّوْقُ إلى قُرْبِها … ما كَانَ ذَاكَ الشَّوْقُ ذبَّاحا

لم أنسَ ما قالت وأترابُها … في معْرك ينْظِمن مِسْباحا:

أقلِلْ مِن الطِّيبِ إِذا زُرْتنا … إنِّي أخافُ المسك إن فاحا

لا تتركنَّا غرضاً للعدى … إِنْ كُنْت لِلأَهْوالِ سبَّاحا

لَمْ أدْرِ أنّ المسكَ واشٍ بِنا … إِنّ حار باب الدّارِ مِسْباحا

فسمَّحت أخرى وقالتْ لها: … لاَ تحْرِما ما كَان إِصْلاَحا

لا بدَّ من طيبٍ لمعتادهِ … يغدو به نفساً وأرواحا

كم ليلة ٍ قد شقّ إصباحها … عنا نعيماً كان زحزاحا

لم ننبسط فيه إلى محرم … حتَّى رأينا الصُّبح وضَّاحا

إِلاَّ حدِيثاً مُعَجِباً أُنْسُهُ … أكْبرْتُهُ غَنماً وأرْباحا