أمّي – عبدالله البردوني
تركتني ها هنا بين العذاب … و مضت ، يا طول حزني و اكتئابي
تركتني للشقا وحدي هنا … و استراحت وحدها بين التراب
حيث لا جور و لا بغي و لا … ذرّة تنبي و تنبي بالخراب
حيث لا سيف و لا قنبلة … حيث لا حرب و لا لمع حراب
حيث لا قيد و لا سوط و لا … ظالم يطغى و مظلوم يحابي
خلّفتني أذكر الصفو كما … يذكر الشيخ خيالات الشباب
و نأت عنّي و شوقي حولها … ينشد الماضي و بي – أوّاه – ما بي
و دعاها حاصد العمر إلى … حيث أدعوها فتعيا عن جوابي
حيث أدعوها فلا يسمعني … غير صمت القبر و القفر اليباب
موتها كان مصابي كلّه … و حياتي بعدها فوق مصابي
أين منّي ظلّها الحاني و قد … ذهبت عنّي إلى غير إياب
سحبت أيّامها الجرحى على … لفحة البيد و أشواك الهضاب
ومضت في طرق العمر فمن … مسلك صعب إلى دنيا صعاب
وانتهت حيث انتهى الشوط بها … فاطمأنّت تحت أستار الغياب
آه ” يا أمّي ” و أشواك الأسى … تلهب الأوجاع في قلبي المذاب
فيك ودّعت شبابي و الصبا … وانطوت خلفي حلاوات التصابي
كيف أنساك و ذكراك على … سفر أيّامي كتاب في كتاب
إنّ ذكراك ورائي و على … وجهتي حيث مجيئي و ذهابي
كم تذكّرت يديك وهما … في يدي أو في طعامي و شرابي
كان يضنيك نحولي و إذا … مسّني البرد فزنداك ثيابي
و إذا أبكاني الجوع و لم … تملكي شيئا سوى الوعد الكذّاب
هدهدت كفاك رأسي مثلما … هدهد الفجر رياحين الرّوابي
كم هدتني يدك السمرا إلى … حقلنا في ( الغول ) في ( قاع الرحاب )
و إلى الوادي إلى الظلّ إلى … حيث يلقي الروض أنفاس الملاب
و سواقي النهر تلقي لحنها … ذائبا كاللطف في حلو العتاب
كم تمنّينا وكم دلّلتني … تحت صمت اللّيل والشهب الخوابي
كم بكت عيناكِ لمّا رأتا … بصري يُطفا ويُطوى في الحجاب
و تذكّرت مصيري و الجوى … بين جنبيك جراح في التهاب
ها أنا يا أمّي اليوم فتى … طائر الصيت بعيد الشهاب
أملأ التاريخ لحنا وصدى … و تغني في ربا الخلد ربابي
فاسمعي يا أمّ صوتي وارقصي … من وراء القبر كالحورا الكعاب
ها أنا يا أمّ أرثيك و في … شجو هذا الشعر شجوي وانتحابي .