ألحزن يقلق والتجمل يردع – المتنبي

ألحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ … وَالدّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ

يَتَنَازَعانِ دُمُوعَ عَينِ مُسَهَّدٍ … هَذا يَجيءُ بهَا وَهَذَا يَرْجِعُ

ألنّوْمُ بَعْدَ أبي شُجَاعٍ نَافِرٌ … وَاللّيْلُ مُعْيٍ وَالكَوَاكبُ ظُلَّعُ

إنّي لأجْبُنُ عَن فِراقِ أحِبّتي … وَتُحِسّ نَفسِي بالحِمامِ فأشجُعُ

وَيَزِيدُني غَضَبُ الأعادي قَسْوَةً … وَيُلِمُّ بي عَتْبُ الصّديقِ فأجزَعُ

تَصْفُو الحَياةُ لجَاهِلٍ أوْ غافِلٍ … عَمّا مَضَى فيها وَمَا يُتَوَقّعُ

وَلمَنْ يُغالِطُ في الحَقائِقِ نفسَهُ … وَيَسومُها طَلَبَ المُحالِ فتطمَعُ

أينَ الذي الهَرَمانِ مِنْ بُنْيَانِهِ، … ما قَوْمُهُ، ما يَوْمُهُ، ما المصرَعُ؟

تَتَخَلّفُ الآثارُ عَنْ أصْحابِها … حِيناً وَيُدرِكُها الفَنَاءُ فتَتْبَعُ

لم يُرْضِ قَلْبَ أبي شُجاعٍ مَبلَغٌ … قَبلَ المَمَاتِ وَلم يَسَعْهُ مَوْضِعُ

كُنّا نَظُنّ دِيارَهُ مَمْلُوءَةً … ذَهَباً فَمَاتَ وَكلُّ دارٍ بَلقَعُ

وَإذا المَكارِمُ وَالصّوَارِمُ وَالقَنَا … وَبَنَاتُ أعوَجَ كلُّ شيءٍ يجمَعُ

ألمَجْدُ أخسَرُ وَالمَكارِمُ صَفْقَةً … من أن يَعيشَ لها الهُمامُ الأرْوَعُ

وَالنّاسُ أنزَلُ في زَمَانِكَ مَنزِلاً … من أنْ تُعايِشَهُمْ وَقَدرُكَ أرْفَعُ

بَرِّدْ حَشَايَ إنِ استَطعتَ بلفظَةٍ … فَلَقَدْ تَضُرُّ إذا تَشَاءُ وَتَنْفَعُ

مَا كانَ منكَ إلى خَليلٍ قَبْلَها … ما يُسْتَرَابُ بهِ وَلا مَا يُوجِعُ

وَلَقَدْ أرَاكَ وَمَا تُلِمّ مُلِمّةٌ … إلاّ نَفَاهَا عَنكَ قَلبٌ أصْمَعُ

وَيَدٌ كأنّ نَوَالَهَا وَقِتَالَهَا … فَرْضٌ يحِقّ عَلَيْكَ وَهْوَ تبرُّعُ

يا مَنْ يُبَدِّلُ كُلّ يَوْمٍ حُلّةً … أنّى رَضِيتَ بحُلّةٍ لا تُنْزَعُ؟

ما زِلْتَ تَخْلَعُهَا على مَنْ شاءَها … حتى لَبِسْتَ اليَوْمَ ما لا تَخلعُ

ما زِلْتَ تَدْفَعُ كُلّ أمْرٍ فادِحٍ … حتى أتى الأمرُ الذي لا يُدفَعُ

فَظَلِلْتَ تَنظُرُ لا رِماحُكَ شُرَّعٌ … فيما عَرَاكَ وَلا سُيوفُكَ قُطَّعُ

بأبي الوَحيدُ وَجَيشُهُ مُتَكاثِرٌ … يَبكي وَمن شرّ السّلاحِ الأدْمُعُ

وَإذا حصَلتَ من السّلاحِ على البكا … فحَشاكَ رُعتَ به وَخدَّكَ تَقرَعُ

وَصَلَتْ إليكَ يَدٌ سَوَاءٌ عِندَها الـ … ـبازي الأُشَيْهِبُ وَالغُرابُ الأبقَعُ

مَن للمَحافلِ وَالجَحافلِ وَالسُّرَى … فَقَدَتْ بفَقْدِكَ نَيِّراً لا يَطْلُعُ

وَمَنِ اتخذتَ على الضّيوفِ خَليفَةً … ضَاعُوا وَمِثْلُكَ لا يكادُ يُضَيِّعُ

قُبْحاً لوَجهِكَ يا زَمَانُ فإنّهُ … وَجهٌ لَهُ من كُلّ قُبحٍ بُرْقُعُ

أيَمُوتُ مِثْلُ أبي شُجَاعٍ فاتِكٍ … وَيَعيشَ حاسِدُه الخصِيُّ الأوكَعُ

أيْدٍ مُقَطَّعَةٌ حَوَالَيْ رَأسِهِ … وَقَفاً يَصيحُ بها: ألا مَن يَصْفَعُ

أبْقَيْتَ أكْذَبَ كاذِبٍ أبْقَيْتَهُ … وَأخذتَ أصْدقَ من يقولُ وَيسمَعُ

وَتَرَكْتَ أنْتَنَ رِيحَةٍ مَذْمُومَةٍ … وَسَلَبْتَ أطيَبَ رِيحَةٍ تَتَضَوّعُ

فَاليَوْمَ قَرّ لكُلّ وَحْشٍ نَافِرٍ … دَمُهُ وَكانَ كأنّهُ يَتَطَلّعُ

وَتَصَالَحتْ ثَمَرُ السّياطِ وَخَيْلُهُ … وَأوَتْ إلَيها سُوقُها وَالأذْرُعُ

وَعَفَا الطّرَادُ فَلا سِنَانٌ رَاعِفٌ … فَوْقَ القَنَاةِ وَلا حُسَامٌ يَلمَعُ

وَلّى وَكُلُّ مُخالِمٍ وَمُنَادِمٍ … بعْدَ اللّزُومِ مُشَيِّعٌ وَمُوَدِّعُ

مَنْ كانَ فيهِ لكُلّ قَوْم مَلجأٌ … ولسيْفِهِ في كلّ قَوْمٍ مَرْتَعُ

إنْ حَلّ في فُرْسٍ فَفيهَا رَبُّهَا … كسرَى تذلّ لهُ الرّقابُ وَتخضَعُ

أوْ حَلّ في رُومٍ فَفيها قَيصَرٌ … أوْ حَلّ في عَرَبٍ فَفِيهَا تُبّعُ

قد كانَ أسرَعَ فارِسٍ في طَعْنَةٍ … فرَساً وَلَكِنّ المَنِيّةَ أسْرَعُ

لا قَلّبَتْ أيدي الفَوَارِسِ بَعْدَهُ … رُمحاً وَلا حَمَلَتْ جَوَاداً أرْبَعُ