أعاذل حسب المرء بالشيب عاذلا – الخُبز أَرزي

أعاذل حسبُ المرء بالشيب عاذلا … وأفحشُ جهلٍ أن يُرى الكهل جاهلا

أعاذل قد أمضيتُ في اللهو والصبا … طويلاً فلم يُكسبنيَ اللهوُ طائلا

أكلتُ ثمارَ الدهر والدهرُ آكِلٌ … حياتي وأغضبتُ الذي ليس غافلا

وما الوقت إلا كالمودع إنما … تراه بما فيه من الحال زائلا

كأن لم يكن غصنُ الشباب إذا انثنى … يُغازِل بالشكل الغزالَ المُغازِلا

كأنيَ لم أنفث رُقى السِّحر في التي … لواحظُها عَطّلنَ بالسحر بابلا

كأن لم أُجامِل في هوىً مَن جمالها … ليعلم مَن يُبلى بها أن يُجامِلا

لقد أقصرت فيها العواذلُ إذ بدت … مَحاسِنُ قد أخرَسنَ حتّى العواذِلا

فما جُرِّدَت إلا تسربلَ جسمُها … غلائلَ نورٍ حين تنضو الغلائلا

أعيش بها عن كلِّ عضوٍ بمسها … وتجعل أعضائي جميعاً مقاتلا

وفي العَين لاهُوتيّةٌ جوهريّةٌ … بها صار مَحيايَ وللنفس قاتلا

مَهابَتُها تَثني دموعي عن البكا … وتنسينيَ الشكوى فأبهَت ذاهِلا

ومَن يُحي نفساً بالذي فيه موتُها … قديرٌ على أن يجعل الحقَّ باطلا

لقد خذل السلوانُ قلبي لأنه … تأمّل خصراً للرَّوادف حامِلا

هنالك صار الصبرُ منفصمَ العُرا … كما فصمت ساقُ الحبيب الخَلاخِلا

فهذا نحولي شاهدٌ لي بأنَّ لي … فؤاداً من الشوق المبرِّح ناحلا

لأنَّ رياحَ الشوق هبّت شمائلاً … فغادَرنَ أغصانَ الحياة ذَوابِلا

إذا شاكل العشّاقُ وجدي بوجدهم … فقد يئسوا أن لا يروا لي مُشاكلا

كذا مَن تحلّى بالعلوم محقّقاً … تراه لدى القاضي التّنوخي عاطلا

رأيتُ رجالاً لا يُرَامُ كمالُهُم … ولم أرَ كالقاضي التنوخيِّ كاملا

إذا استنبط القومُ العلومَ تشاجَروا … وأوضح برهان العقول الدلائلا

أطلَّ على فصل الخطاب بمنطقٍ … إذا جَدَّ في المعنى أصاب المقاتلا

يُقيِّد ألفاظَ الألدِّ بلفظِهِ … ويفضُل بالحقِّ المبين المُفاضِلا

فيشفي قلوبَ السائلينَ مُجاوباً … كما يختم الأفواه إن كانَ سائلا

يخوض بلُجِّ العلم غيرَ مشمِّرٍ … عن السّاقِ حتّى يُحسَبَ اللُّجُّ شائلا

فلو شاجَرَته ألسنُ الناس كلهم … دِراكاً وعى فهماً وأفهَمَ قائلا

ويدرك ما قالوا جميعاً فُجاءَةً … ويبدؤهم بالمشكلات مُقابلا

إذا هو حاجى ذا الحِجا بَصَّرَ الهدى … وأنت تراه مُرشِداً لا مُخاتِلا

لذاك تُرى في الناس أيّامُ حكمِهِ … تُبيِّضُ من إشراقهنَّ الأصائلا

جلا ظلماتِ الظُّلم نورُ قضائه … فصيَّر شملَ العدل في الناس شاملا

إذا ما قضاياه تخللن ظلمةً … توقَّدن إذ قد كُنَّ فيها قنادلا

إذا ما أراد اللَهُ خيراً لمعشرٍ … يولِّي عليهم ثاقب الرأي عامِلا

لقد سرَّ أهلَ السرِّ تجديدُ عهده … كما سرَّ ميلادُ الغلام القَوابِلا

به أوضح السلطان يقظةَ رأيه … وإن كان عمّا غير ذلك غافلا

تَداركَ منهم أصلَ صر تحمَّلوا … على الضرِّ حتى لم يطيقوا التحامُلا

فأبدأهم بالطلِّ ميسور فضلهِ … وأتبعَهم في عُقبَةِ الطلِّ وابلا

به بسط الرحمنُ في الخلق رحمةً … وخصَّ اليتامى منهمُ والأرامِلا

عن العقل فاسأل لا عن العلم واتبع … فقد أكمل الخيرات من كان عاقلا

وذو العقل من يبغي النجاةَ لنفسه … ويخلص بالتفضيل من كان قابلا

فيا من أحلَّته تنوخُ بنجوةٍ … لأنَّ له فيها سناماً وكاهلا

لئن أنتَ جرَّدتَ العزيمةَ في العلا … لقد جردت فيها تنوخُ المعابلا

وإن تفضل الحكامَ علماً وسؤدداً … فقد فضلت قدماً تنوخُ القبائلا

قسمتَ العطايا إذ كُنيتَ بقاسمٍ … لأنك تُكنى بالذي ظلتَ فاعِلا

فلم أر ميلاً منك عن صدق كنية … كُنيتَ بها مما يقسّم مايلا

لعمري لئن سمَّوا أباك محمداً … وأنت عليّاً قد أصابوا الشواكلا

هما اسمان شُقَّا من علاً ومحامدٍ … رأوا فيكما منها قديماً مخائلا

فراسة أنجابٍ رأوها دقائقاً … فلما أتى التصديق صارت جلائلا

جواهر أصلٍ كُنَّ فيكم معادِناً … فهذَّبتها حتى يُرينَ شمائلا

كذي جوهرٍ راز المعادن كلَّها … بتهذيبها كي تستتمَّ الفضائلا

كذلك تأثير المغارس في الثرى … يزكِّي وينمي في الفُروع الأماثلا

كذا السيف من سنخ الحديد فرنده … وإن يُجتلى حتى يكدَّ الصياقلا

فيومُك بالحسنى يساجل أمسه … إذا لم تجد في المكرمات مساجلا

جمعت قلوبَ الناس فيك على الرضا … وحمَّلت بالذكر الجميل المحاملا

فلا زلتَ في شكر المزيد فلا يُرى … من الفضل والإحسان ربعُك حائلا