أطوف بأحلامي عليكم لعنى – زكي مبارك

أطوف بأحلامي عليكم لعنى … أصافحكم بالروح في ظلمة الليل

ثمانون يوماً ضاع مني نعيمها … كأنى وحيدٌ في الوجود بلا أهل

تغرّبتُ في الدنيا لغربة داركم … وإن اغتراب القلب ضربٌ من القتل

تعالوا أغيثوني من الوجد ليلةً … ولا تبخلوا يا أجود الناس بالبُخلِ

تمردت الدنيا عليّ وأقفرت … فلم يبق لي في غير دارتكم وردُ

إذا ثار وجدى قلت تلك بقية … من العيش يحييني بها ذلك الوجد

أسائل عنكم حاسديكم كأنني … مضيتُ وما لي من مودتكم عهد

أصورتكم هذي وأنتم بروضةٍ … يموج بها التفاح والاس والورد

تذكرت يوم المهرجان حديثكم … فأبدعت ما أبدعت والحب يبدعُ

تذكرت أني كنت يوماً خليلكم … وأنتم إلى صدرى من النور أسرع

تذكرت ما كنا عليه فسارعت … إلى مدمعي من ثورة الحزن أدمعُ

فإن لم تعودوا طائعين فإنني … إلى داركم بالرغم منكم سأرجع

ثمانون يوماً والوجود بأسره … ظلامٌ كثيفٌ لا يلوح به نجمُ

إذا غبتمو عني فما لي من الربى … إذا ازدهرت صبحاً نصيبٌ ولا سهم

ملاعبُ ضاعت من يدي بعد بينكم … فلم يبق منها غير ما يخلق الوهم

تعالوا تعالوا إنني في انتظاركم … وعندي الحديثُ العذب والراح والفعمُ

تذكرت يوم اسكندرية والهوى … يزلزل روحي عاصفاً كل زلزال

تذكرت هل أنسى وهاتيك ليلةٌ … ستبقى بماضيها المخضّب في بالي

وقفنا وللأمواج في البحر صرخة … تصورتها في الليل زأرى رئبال

وقفنا فناجينا الوجود بثائرٍ … من الوجد مشبوب العواطف قتّال

نسيتم نسيتم كيف إني لذاكر … مواقف لا تنسى وإن بعد العهد

إذا ما ازدهى العشاق يوماً بحبهم … فليس لنا في الحب قبلٌ ولا بعد

هوانا الهوى والعاشقون جميعهم … وإن عظموا في ظل رايتنا جند

هجرتم فؤادي عامدين وإنه … لصابٌ لذيذ الطعم يعنو له الشهد

صددتم هنيئاً ما أردتم لروحكم … فما أنا في ذاك الصدود بعاتب

أناجى هواكم كل حين بلهفة … وما أنا عن ذاك الجناب بغائب

يصوّركم للقلب والروح باسمٌ … من الروض زانته أيادي الخواضب

إذا ما التقى روح بروح فإننا … على بعدنا في نشوةٍ بالتجاوب

تنادمني حلوانُ كل عيشة … وكل جميل في المدائن حلوانُ

إليها سرى نور بقلبي منارهُ … فثارت بقلبي حين أصحر نيران

غرائب من وجد وأحلام صبوة … يصورها بالشعر والنثر شيطان

أسكان حلوانٍ سلام ولوعة … فأنتم بوجدان المتيم سكان

وقفت بباب اللوق تسعين مرة … أسائل عنكم كل غاد ورائح

إذا صرخ الوابور قلت لعلني … أفوز بمنضور من الطير سانح

أيعرف باب اللوق أني أحبه … وإن كان بالتهيام والوجد فاضحى

أطوف به في كل يوم وأنثنى … بقلب عصوف الخفق بين الجوانح

سلامٌ على أرض المعادي وأهلها … سلامُ محبّ يستبد به الشوق

حدائق خضرٌ لو أردت عصرتها … وصيرتها شعراً له الفوز والسبق

سلام على الحمام والجو صائفٌ … وليس له غربٌ هناك ولا شرق

أماليدُ يلقون المياه سوابحاً … وعن كل صدر ساحر الحسن ينشق

معادي الخبيري ما الخبيري وما اسمه … وما حاله والريح تعصف بالفلك

أراد الذي ما لا نريد فأصبحت … معاديه ساحاً للمآثم والفتك

يجاذبني شوقي إليها وإنني … لأضمر شوقا للنفوح من المسك

أكاد إذا استخبرت آثار وحيه … اصاول قلبي بالملامة أو أبكى

حدائق لم يحجج إليهن شاعرٌ … سوى البلبل الصداح يفتنه الزهر

مضيتُ إليها والأصيل كأنه … بأضوائه الصهباء من رقةٍ خمرُ

على بابها رضوان يرقب عودتي … وينظر ما أهدى له وهو الشعر

تعاليت يا شعري تعالت لواعجٌ … إذا زفرت فالمستهام بها السحر

أعاودُ أيام المعادي لعلني … أخفّف ما بي من عناء ومن كرب

يعاودها قلبٌ إلى الحسن ظامىءٌ … تعذبه الآهاتُ والنار في جنبي

إذا استعرت مصر الجديدة ساعة … تذكرتُ ما يلقاه من فادح الخطب

أعاني من القيظ الأليم جواحماً … قبسنَ جحيم الصيف والوجد من قلبي