أراع كذا كل الأنام همام – المتنبي
أرَاعَ كَذا كُلَّ الأنَامِ هُمَامُ … وَسَحَّ لَهُ رُسْلَ المُلُوكِ غَمَامُ
وَدانَتْ لَهُ الدّنْيا فأصْبَحَ جالِساً … وَأيّامُهَا فِيمَا يُريدُ قِيَامُ
إذا زَارَ سَيْفُ الدّوْلَةِ الرّومَ غازِياً … كَفَاهَا لِمَامٌ لَوْ كَفَاهُ لِمَامُ
فَتًى تَتْبَعُ الأزْمانُ في النّاسِ خَطوَهُ … لكُلّ زَمانٍ في يَدَيْهِ زِمَامُ
تَنَامُ لَدَيْكَ الرّسْلُ أمْناً وغِبطةً … وَأجفانُ رَبّ الرّسْلِ ليسَ تَنَامُ
حِذاراً لمُعْرَوْري الجِيادِ فُجَاءَةً … إلى الطّعْنِ قُبْلاً مَا لَهُنّ لِجَامُ
تَعَطَّفُ فيهِ وَالأعِنّةُ شَعْرُهَا … وَتُضْرَبُ فيهِ وَالسّياطُ كَلامُ
وَما تَنْفَعُ الخَيلُ الكِرامُ وَلا القَنَا … إذا لم يكُنْ فوْقَ الكِرامِ كِرامُ
إلى كَمْ تَرُدُّ الرُّسْلَ عَمّا أتَوْا لَهُ … كأنّهُمُ فيما وَهَبْتَ مَلامُ
فإنْ كنتَ لا تُعْطي الذّمامَ طَواعَةً … فَعَوْذُ الأعادي بالكَريمِ ذِمَامُ
وَإنّ نُفُوساً أمّمَتْكَ مَنيعَةٌ … وَإنّ دِمَاءً أمّلَتْكَ حَرَامُ
إذا خَافَ مَلْكٌ من مَليكٍ أجَرْتَهُ … وَسَيْفَكَ خافُوا وَالجِوارَ تُسَامُ
لهُمْ عنكَ بالبِيضِ الخِفافِ تَفَرّقٌ … وَحَوْلَكَ بالكُتْبِ اللِّطَافِ زِحَامُ
تَغُرُّ حَلاواتُ النّفُوسِ قُلُوبَهَا … فتَختارُ بَعضَ العَيشِ وَهْوَ حِمامُ
وَشَرُّ الحِمَامَينِ الزّؤامَينِ عِيشَةٌ … يَذِلُّ الذي يَختَارُها وَيُضامُ
فَلَوْ كانَ صُلْحاً لم يَكُنْ بشَفاعَةٍ … وَلَكِنّهُ ذُلٌّ لَهُمْ وَغَرَامُ
وَمَنٌّ لفُرْسانِ الثّغُورِ عَلَيْهِمِ … بتَبْليغِهِمْ ما لا يَكادُ يُرامُ
كَتائِبُ جَاؤوا خاضِعِينَ فأقْدَمُوا … وَلَوْ لم يكونوا خاضِعينَ لخَامُوا
وَعَزّتْ قَديماً في ذَرَاكَ خُيُولُهُمْ … وَعَزُّوا وَعامَتْ في نَداكَ وَعَامُوا
على وَجْهِكَ المَيمونِ في كلّ غارَةٍ … صَلاةٌ تَوَالى مِنْهُمُ وَسَلامُ
وَكُلُّ أُنَاسٍ يَتْبَعُونَ إمَامَهُمْ … وَأنتَ لأهْلِ المَكْرُماتِ إمَامُ
وَرُبّ جَوَابٍ عَن كتابٍ بَعَثْتَهُ … وَعُنْوَانُهُ للنّاظِرِينَ قَتَامُ
تَضِيقُ بهِ البَيداءُ من قَبْلِ نَشرِهِ … وَمَا فُضّ بالبَيْداءِ عَنهُ خِتَامُ
حُرُوفُ هِجاءِ النّاسِ فيهِ ثَلاثَةٌ: … جَوَادٌ وَرُمْحٌ ذابِلٌ وَحُسَامُ
أخا الحَرْبِ قد أتْعَبْتَها فَالْهَ ساعَةً … ليُغْمَدَ نَصْلٌ أوْ يُحَلَّ حِزامُ
وَإنْ طالَ أعمَارُ الرّماحِ بهُدْنَةٍ … فإنّ الذي يَعْمُرْنَ عِندَكَ عَامُ
وَمَا زِلْتَ تُفني السُّمْرَ وَهْيَ كَثيرَةٌ … وَتُفْني بهِنّ الجَيْشَ وَهوَ لُهَامُ
متى عاوَدَ الجَالُونَ عاوَدْتَ أرْضَهُمْ … وَفيهَا رِقَابٌ للسّيُوفِ وَهَامُ
وَرَبّوْا لكَ الأوْلادَ حتى تُصِيبَهَا … وَقَدْ كَعَبَتْ بِنْتٌ وَشَبّ غُلامُ
جَرَى مَعَكَ الجارونَ حتى إذا انتَهوا … إلى الغايَةِ القُصْوَى جرَيتَ وَقَامُوا
فَلَيْسَ لشَمسٍ مُذْ أنَرْتَ إنَارَةٌ … وَلَيسَ لبَدْرٍ مُذْ تَمَمْتَ تَمَامُ