أحق عاف بدمعك الهمم – المتنبي

أحَقُّ عافٍ بدَمْعِكَ الهِمَمُ … أحدَثُ شيءٍ عَهداً بها القِدَمُ

وإنّما النّاسُ بالمُلُوكِ ومَا … تُفْلِحُ عُرْبٌ مُلُوكُها عَجَمُ

لا أدَبٌ عِندَهُمْ ولا حَسَبٌ … ولا عُهُودٌ لهُمْ ولا ذِمَمُ

بكُلّ أرْضٍ وطِئْتُها أُمَمٌ … تُرْعَى بعَبْدٍ كأنّها غَنَمُ

يَسْتَخشِنُ الخَزّ حينَ يَلْمُسُهُ … وكانَ يُبْرَى بظُفْرِهِ القَلَمُ

إنّي وإنْ لُمْتُ حاسدِيّ فَمَا … أُنْكِرُ أنّي عُقُوبَةٌ لَهُمُ

وكَيفَ لا يُحْسَدُ امْرُؤٌ عَلَمٌ … لَهُ على كلّ هامَةٍ قَدَمُ

يَهابُهُ أبْسأُ الرّجالِ بِهِ … وتَتّقي حَدّ سَيْفِهِ البُهَمُ

كَفانيَ الذّمَّ أنّني رَجُلٌ … أكْرَمُ مالٍ مَلَكْتُهُ الكَرَمُ

يَجْني الغِنى لِلِّئَامِ لَوْ عَقَلُوا … ما لَيس يَجني عَلَيهِمِ العُدُمُ

هُمُ لأمْوالهِمْ ولَسْنَ لَهُمْ … والعارُ يَبقَى والجُرْحُ يَلْتَئِمُ

مَن طَلَبَ المجدَ فَليَكُنْ كعَلِـ … ـيّ يَهَبُ الألْفَ وهوَ يَبْتَسِمُ

ويَطْعَنُ الخَيْلَ كُلَّ نافِذَةٍ … لَيسَ لهَا مِنْ وَحائِهَا ألَمُ

ويَعْرِفُ الأمْرَ قَبْلَ مَوْقِعِهِ … فَما لَهُ بعدَ فِعْلِهِ نَدَمُ

والأمْرُ والنّهْيُ والسّلاهبُ والـ … ـبيضُ لَهُ والعَبيدُ والحَشَمُ

والسّطَواتُ التي سَمِعْتَ بها … تكادُ منها الجِبالُ تَنقَصِمُ

يُرْعيكَ سَمعاً فيهِ استِماعٌ إلى الـ … ـدّاعي وفيهِ عنِ الخَنى صَمَمُ

يُريكَ مِنْ خَلْقِهِ غَرائِبَهُ … في مَجْدِهِ كيفَ تُخلَقُ النّسَمُ

مِلْتُ إلى مَنْ يَكادُ بَيْنَكُما … إنْ كُنتُما السّائِلَينِ يَنْقَسِمُ

مِنْ بَعدِ ما صِيغَ من مَواهِبِهِ … لمَنْ أُحبُّ الشُّنُوفُ والخَدَمُ

ما بَذَلَتْ ما بهِ يَجُودُ يَدٌ … ولا تَهَدّى لِمَا يَقُولُ فَمُ

بَنُو العَفَرْنَى مَحَطّةَ الأسَدِ الـ … أُسْدُ ولكِنْ رِماحُها الأجَمُ

قَوْمٌ بُلُوغُ الغُلامِ عِنْدَهُمُ … طَعنُ نُحورِ الكُماةِ لا الحُلُمُ

كأنّما يُولَدُ النّدَى مَعَهُمْ … لا صِغَرٌ عاذِرٌ ولا هَرَمُ

إذا تَوَلّوا عَداوَةً كَشَفُوا … وإنْ تَوَلوا صَنيعَةً كَتَمُوا

تَظُنّ من فَقْدِكَ اعْتِدادَهُمُ … أنّهُمُ أنْعَمُوا ومَا عَلِمُوا

إنْ بَرَقُوا فالحُتُوفُ حاضِرَةٌ … أو نَطَقُوا فالصّوابُ والحِكَمُ

أو حَلَفُوا بالغَمُوسِ واجتَهَدوا … فَقَوْلُهُمْ خابَ سائِلي القَسَمُ

أو رَكِبُوا الخَيْلَ غَيرَ مُسرَجَةٍ … فإنّ أفْخاذَهُمْ لهَا حُزُمُ

أوْ شَهِدوا الحَرْبَ لاقِحاً أخَذوا … من مُهَجِ الدّارِعينَ ما احتكموا

تُشرِقُ أعْرَاضُهُمْ وأوْجُهُهُمْ … كأنّها في نُفوسِهِمْ شِيَمُ

لَوْلاكَ لم أترُكِ البُحَيرَةَ والـ … ـغَوْرُ دَفيءٌ وماؤها شَبِمُ

والمَوْجُ مِثْلُ الفُحولِ مُزْبدَةً … تَهْدِرُ فيها وما بِها قَطَمُ

والطّيرُ فَوْقَ الحَبابِ تَحسَبُها … فُرْسانَ بُلْقٍ تَخُونُهَا اللُّجُمُ

كأنّها والرّياحُ تَضْرِبُهَا … جَيْشا وَغًى هازِمٌ ومُنْهَزِمُ

كأنّها في نَهارِهَا قَمَرٌ … حَفّ بهِ مِنْ جِنانِها ظُلَمُ

تَغَنّتِ الطّيرُ في جَوانِبِها … وجادَتِ الأرْض حَوْلَها الدّيَمُ

فَهْيَ كَمَاوِيّةٍ مُطَوَّقَةٍ … جُرّدَ عَنها غِشاؤها الأدَمُ

يَشينُها جَرْيُها عَلى بَلَدٍ … تَشينُهُ الأدْعِياءُ والقَزَمُ

أبا الحُسَينِ اسْتَمعْ فمَدْحُكُمُ … بالفِعْلِ قَبلَ الكَلامِ مُنْتَظِمُ

وقَد تَوالى العِهادُ مِنْهُ لكُم … وجادَتِ المَطْرَةُ التي تَسِمُ

أُعيذُكمْ من صُرُوفِ دَهْرِكُمُ … فإنّهُ في الكِرامِ مُتّهَمُ