هل كان حين قتلت سلب السالب – جبران خليل جبران
هل كان حين قتلت سلب السالب … أقسى الردى أم كان ثلب الثالب
ختمت بموتك نكبة وتواصلت … أخرى وراء الموت ذات غرائب
الحول بعد الحول مر وللردى … حوليك ترديد الصدى المتجاوب
لولا تنزلت البراءة من عل … ما رد عنك القبر غيبة غائب
لولا تنزلت البراءة من عل … ما رد عنك القبر غيبة غائب
هبطت إليك فطهرت ذكراك من … رمي الوشاة نقاءها بشواءب
غامت عيونهم بفل قلوبهم … فإذا السماء الصحو ذات سحائب
تلك البراءة فلتمثل في حلى … عذراء تزهو بالجمال الخالب
وعلى ضريحك فلتشيد صورة … من مرمر صاف لتلك الكاعب
الصبح طلعتها ومعدن حسنها … عدن وتاج الرأس عقد كواكب
للروح في قسماتها لطف يرى … والجسم طهر مفرغ في قالب
قد شارفتك فلطفت بتبسم … عذب مرارة دمعك المتساكب
… وبأنملات كالأشعة أومأت تنفي ظنون السوء نفي غياهب
وبأخمص متثاقل داست على … أشباه حيات سعت وعقارب
… رمزا إلى أهل السعايات الألى فشلوا وباؤا بالرجاء الخائب
فإذا استتمت واستوى تمثالها … ملء العيون بحسنه المتناسب
كن ملتقى لأشعة من لحظها … ترمى بها عن قوس أرأف حاجب
ولينقشوا لك صورة يبدو بها … ما كان من عجب بشأنك عاجب
نقشا يلان له الصفاوية ترى … في شكل مظلوم أسيف شاحب
تحت الجراحات التي في جسمه … أدمى جراحات الفؤاد الذائب
جاث على أقدامها بلغ الأسى … منه مبالغه وليس بغاضب
لا عمره المفقود علة بثه … كلا ولا نعمي الثراء الذاهب
بل جور قوم كان فيهم عزة … للمستعز وغنية للطالب
أدروه ما لم يدر قبل مماته … من صد أحباب وبعد أقارب
لم يكفهم إن مات حتى عكروا … بغبارهم جو الشهاب الغارب
وأشد في التنكيل من كأس الأذى … وضع القذى في كأسه للشارب
ما الوحش إن غال الرميم بقبح من … قال النميم لنهش عرض الغائب
فاظنن بمن يغتاب مقتولا وقد … أعيا فما يسطيع نبسة عاقب
واظنن بما هو فوق ذاك نكاية … من جفوة الأدنى وغدر الصاحب
جأروا وما أخفوه تحت نحيبهم … جعل المصيبة فوق ندب النادب
هذا هو الرسم الخليق بأن يرى … في ظهر قبرك ماثلا للراقب
في صمته الأبدي أبلغ واعظ … لألى النهى بلسان أفصح خاطب
توفيق نم وزر الحسود مؤرقا … ما عاش موكولا لهم ناصب
للموت روح زيد عنك هنيهة … في شبه حلم مثقل بمتاعب
ذادوه عنك فبت أقلق من ثوى … حيث القرار يكون أمن الهائب
لكن عدلا لا يني متعقبا … للظلم بين مصابر ومعاقب
كشف اللثام عن الحقيقة فانجلت … تعدي الضياء على الظلام الهارب
الناهشو الأعراض في خسر وإن … لم تتصم أعراضهم بمثالب
كيف الوشاة وقد رموك بما بهم … من منقصات جمة ومعايب
حسدوك لم يعفوا أخاك وإنما … فعلوا لحرص في الطبائع غالب
فالمحمدات وأنتما في جانب … والمخزيات ورهطهم في جانب
ماذا تركت من المقام لشحهم … تلقاء سيب كالغمام الصائب
ولسوء مسعاهم وقلة كسبه … في جنب مسعاك الجميل الكاسب
قد باعدوا الخطوات في طلب العلى … فتقاصروا عن خطوك المتقارب
وهداك دونهم السبيل إلى الذي … لم يبصروه نور فكر ثاقب
أن يقتضوك شمائل لم تؤتها … فمطالب الباغين شر مطالب
الناس إما حاسب أو محرز … جاها يصرف فيه ذهن الحاسب
وأخو المآثر هل يقلل مجده … أن لا يكون بعالم أو كاتب
آليت بالحسنى ألية عارف … بعلوها عن شبهة من كاذب
ما ضار من ذم النضار وربما … كانت نقيصته بعين العائب
هل معدن التيجان بخس حقه … إن يأب طبع أسنة وقواضب
أدركت من كرم وهم لم يدركوا … ما للحوادث من بعيد عواقب
الجود للمبقي على أمواله … هو أول الرأي السديد الصائب
وبه يوقى العالمون تحولا … راع النهى بنذيره المتعاقب
هل بعد معرفة الجموع بحقها … يرتاض ساغبها لغير الساغب
إن لم تصب من كل نعمى حظها … لم تأمن الدنيا كبار مصائب
ادورد يا أوفى الرجال إذا دعا … في حينه داعي القيام بواجب
يا محرزا بدؤوبه وبجده … أسمى مكان للمجد الدائب
ومذللا بذكائه ومضائه … ما لا يذلل من كؤود مصاعب
ورموا فما ألقى الشهاب … من العنان سوى شهاب
ما كان أغناهم وذاك … الباب للإحسان باب
لو أنهم لاقوا ذوي الحاجات … في تلك الرحاب
في حكمة الدنيا وفي تصريفها … العجب العجاب
قد يظفر الجانون فيها … بالكرامة والثواب
وعلى رؤوس الخائفين … الله قد يقع العقاب
دنيا تخالف كل تقدير … وتخلط في الحساب
في زهرها الغرار للساري … وفي الورد السراب
فتظل كل حقيقة … فيها محلا لارتياب
ما كنت يا توفيق إلا … من تفديه الصحاب
لشمائل مملوؤة أنسا … وأخلاق عذاب
وصفاء طبع لم يكدره … الزمان ولو أراب
ومروءة في كل حادثة … لها داع مجاب
لكن وكم لكن تقال … إذا كبا بالجد عاش
حكم الذي برأ البرية … لا سؤال ولا عتاب
وهو الذي تعتاض بالنعمى … لديه من العذاب
وعليه تحقيق الرجاء … فمن رجا إلاه خاب
إدورد عش متوافر الآلاء … مرفوع الجناب
في غبطة تصفو وبالغير … الملمة لا تثاب
لا بدع إن واساك أهل … القطر في ذاك المصاب
فلأنت ذاك الفرع من … أصل زكا فيه وطاب
من أسرة طهرت … خلائقها ولم توصم بعاب
ضربت بسهم في العلى … فأصاب منها ما أصاب
ولأنت خير بقية … منها ترجى أو تهاب
زانتك آداب رقيقات … وأخلاق صلاب
لطف وظرف في الحديث … وفي السؤال وفي الجواب
عزم يفل مكاره الدنيا … ويهزأ بالصعاب
رأي إذا أبديته في معضل … فصل الخطاب
مجد أبى شرفا وجودا … أن يشبه بالسحاب
يا من نعزيه ويدري … فوق ما ندري الصواب
وعد المهيمن بالسعادة … ليس بالوعد الكذاب
فلمن تولى رحمة … في خلده ولك احتساب