بورك في خلقك المليح – جبران خليل جبران

بورك في خلقك المليح … يا أشبه الخلق بالمسيح

وفي ذكاء له شعاع … يبدو على وجهك الصبيح

وفي خصال متممات … بالخلق الطاهر الصريح

وفي تناه بلا تباه … ذودا عن المبدإ الصحيح

أعدت قسا وأين قس … لو عاد من نده الفصيح

هل لنجيب إدراك شأو … في شوط عليائك الفسيح

بوهم يعثر المجلي … إن رامة عثرة الطليح

عظاتك البالغات طب … من التباريح والجروح

أراهم بديعا بذاك البديع … صفا جوهرا وحلا موردا

وباح لهم من كنوز النهى … بما يستفز لها الحسدا

كنوز سيغزون أعلاقها … ويسبون قيمها المرصدا

فإن فعلوا وهم فاعلون … وللمرء في الدهر ما عودا

كما استنزفوا الشرق برا وبحرا … فلا در أبقوا ولا عسجدا

فهذي الغوالي بقايا المعالي … تقر لنا الماضي الأمجدا

وما ضائر فخرنا أن تباح … ولا ضائر الجاه أن تجتدى

ألا ليتهم تركوا غيرها … قديما ومدوا إليها يدا

على أنهم علموا بعد لأي … كرامة أمتنا محتدا

لأن بيانا كهذا البيان … جدير كما شاء أن يخلدا

وأن نفوسا كتلك النفوس … لها رجعة في بنيها غدا

سما في المفاخر هذا الفخار … لنا وأبى الحق أن يجحدا

فلا تبتئس وهو ذاك النضار … إذا ما رأينا له نقدا

يريدون منا بناء القريض … كثير المناحي قصي المدى

وقد جهلوا البيت نبنيه فذا … فيستغرب الأمد الأبعدا

حلاه تنافس زهر الرياض … ومعناه يستنزل الفرقد

فيهن للجسم برء جسم … فيهن للروح برء روح

مولاي هذا مقال حق … ما فيه شيء من المديح

يا سعد قوم وليت فيهم … ولاية المصلح المشيح

خمس وعشرون قمت فيها … بأمرهم غير مستريح

نفاذ رأي شديد عزم … غير عتي ولا جموح

لك البييت الداني وتبني … للبر مرفوعة الصروح

تأخذ أخذ الجميل فيما … تبغي وتنهي عن القبيح

تغفر للخاطيء اقتداء … بربك الغافر السميح

لست لعذر عن أي قول … أو أي فعل بمستميح

والنصح ما زاده قبولا … كالصدق من جانب النصيح

لا تفتأ الدهر في حلول … لسد ثغر أو في نزوح

قلب إلى الخالدات يرنو … بناظر طاهر طموح

أو قلم كاتب وصوت … مردد ما إليك أوحي

ما إن رأينا له سميعا … وجفنه ليس بالقريح

رشيد أبلغ أجل حبر … تهنئة الوامق النصوح

وادع له بالبقاء حتى … يتم قدسية الفتوح

غير كثير لو عاش قطب … له مزاياه عمر نوح

فأي عصر وأي مصر … بمثله ليس بالشحيح