ملث القطر أعطشها ربوعا – المتنبي

مُلِثَّ القَطْرِ أعْطِشْها رُبُوعَا … وإلاّ فاسْقِهَا السّمّ النّقيعَا

أُسائِلُهَا عَنِ المُتَدَيّريهَا … فَلا تَدري ولا تُذْري دُمُوعَا

لَحاهَا الله إلاّ ماضِيَيْهَا … زَمَانَ اللّهْوِ والخَوْدَ الشَّمُوعَا

مُنَعَّمَةٌ مُمَنَّعَةٌ رَداحٌ … يُكَلّفُ لَفظُها الطّيرَ الوُقُوعَا

كأنّ نِقابَها غَيْمٌ رَقيقٌ … يُضِيءُ بمَنْعِهِ البَدْرَ الطُّلُوعَا

أقُولُ لها اكشفِي ضُرّي وَقَوْلي … بأكْثَرَ مِنْ تَدَلّلِها خُضُوعَا

أخِفْتِ الله في إحْيَاءِ نَفْسٍ … متى عُصِيَ الإلهُ بأنْ أُطِيعَا

غَدا بكِ كُلُّ خِلْوٍ مُسْتَهَاماً … وأصْبَحَ كلُّ مَسْتُورٍ خَليعَا

أُحِبّكِ أوْ يَقُولوا جَرّ نَمْلٌ … ثَبِيرَ أوِ ابنُ إبْراهِيمَ رِيعَا

بَعيدُ الصّيتِ مُنْبَثُّ السّرايَا … يُشَيّبُ ذِكْرُهُ الطّفلَ الرّضِيعَا

يَغُضّ الطّرْفَ مِن مَكرٍ وَدَهيٍ … كأنّ بهِ ولَيسَ بهِ خُشُوعَا

إذا اسْتَعْطَيتَهُ ما في يَديْهِ … فقَدْكَ سألتَ عن سِرٍّ مُذيعَا

قَبُولُكَ مَنَّهُ مَنٌّ عَلَيْهِ … وَإنْ لا يَبْتَدىءْ يَرَهُ فَظيعَا

لهُونِ المَالِ أفْرَشَهُ أدِيماً … وللتّفريقِ يَكْرَهُ أنْ يَضِيعَا

إذا ضَرَبَ الأميرُ رِقابَ قَوْمٍ … فَما لكَرامَةٍ مَدَّ النُّطُوعَا

فَلَيسَ بواهِبٍ إلاّ كَثيراً … ولَيسَ بقاتِلٍ إلاّ قَريعَا

ولَيسَ مُؤدِّباً إلاّ بِنَصْلٍ … كفى الصّمصامةُ التّعبَ القَطيعَا

عَلِيٌّ لَيْسَ يَمْنَعُ مِنْ مَجيءٍ … مُبارِزَهُ ويَمْنَعُهُ الرّجُوعَا

عَلِيٌّ قاتِلُ البَطَلِ المُفَدّى … وَمُبْدِلُهُ مِنَ الزّرَدِ النّجيعَا

إذا اعْوَجّ القَنَا في حامِليهِ … وجازَ إلى ضُلوعِهِمِ الضُّلُوعَا

ونالَتْ ثَأرَها الأكْبادُ مِنْهُ … فأوْلَتْهُ انْدِقاقاً أوْ صُدوعَا

فَحِدْ في مُلْتَقَى الخَيلَينِ عَنهُ … وإنْ كُنتَ الخُبَعْثِنَةَ الشّجيعَا

إنِ اسْتَجرَأتَ تَرْمُقُهُ بَعِيداً … فأنْتَ اسْطَعْتَ شيئاً ما استُطيعَا

وإنْ مارَيْتَني فارْكَبْ حِصاناً … ومَثّلْهُ تَخِرَّ لَهُ صَريعَا

غَمَامٌ رُبّما مَطَرَ انْتِقاماً … فَأقْحَطَ وَدْقُهُ البَلَدَ المَريعَا

رَآني بَعْدَما قَطَعَ المَطَايَا … تَيَمُّمُهُ وقَطّعَتِ القُطُوعَا

فَصَيّرَ سَيْلُهُ بَلَدي غَديراً … وصَيّرَ خَيْرُهُ سَنَتي رَبِيعَا

وجاوَدَني بأنْ يُعْطي وأحوي … فأغْرَقَ نَيْلُهُ أخذي سَريعَا

أمُنْسِيَّ السّكونَ وحَضرمَوْتاً … ووالِدَتي وكِنْدَةَ والسّبِيعَا

قدِ استَقصَيتَ في سَلبِ الأعادي … فرُدّ لهُمْ من السّلَبِ الهُجُوعَا

إذا ما لم تُسِرْ جَيْشاً إلَيْهِمْ … أسَرْتَ إلى قُلُوبِهِم الهُلُوعَا

رَضُوا بكَ كالرّضَى بالشّيبِ قسراً … وقد وَخَطَ النّواصِيَ والفُرُوعَا

فلا عَزَلٌ وأنْتَ بِلا سِلاحٍ … لحَاظُكَ ما تَكُونُ بهِ مَنِيعَا

لَوِ اسْتَبدَلتَ ذِهْنَكَ من حسامٍ … قَدَدْتَ بِهِ المَغافِرَ والدّرُوعَا

لوِ استَفْرَغتَ جُهدَكَ في قِتالٍ … أتَيْتَ بهِ على الدّنْيا جَميعَا

سَمَوْتَ بهِمّةٍ تَسمُو فتَسْمُو … فَما تُلْفَى بمَرْتَبَةٍ قَنُوعَا

وهَبْكَ سَمَحتَ حتى لا جَوادٌ … فكَيفَ عَلَوْتَ حتى لا رَفيعَا؟