ليس قضيتي – عبدالعزيز جويدة
يا مصرُ إن قضيتي
ليسَتْ صليبًا أو هلالْ
لسيتْ جَنوًبا أو شَمالْ
يا مصرُ إن قضيتي
هي أنَّ حُبَّكِ ..
صارَ فوقَ الاحتمالْ
يا مصرُ أنتِ حبيبتي ، وحقيقتي ،
ومَنابعُ التقديسِ عندي والجّلالْ
إِنْ مَرَّ ذكركِ في الكلامِ يَهُزُّنِي
يَنتابُني إحساسُ فخرٍ أو شُموخٍ كالجِبالْ
لَكِ هَيبةٌ في القلبِ لا حَدٌ لها
مِن يومِ خَلقِكِ للحياةِ إلى الزَّوالْ
شَعبٌ عَظيمٌ رائعٌ مُتصوِّفٌ
باللهِ مربوطٌ بحبلٍ من وِصالْ
مَن قالَ إن الدينَ فرَّقَنا كَذَبْ
فالدينُ أكبرُ مِن تَخاريفٍ تُقالْ
في كلِّ مِئذنةٍ نعَمْ
في كلِّ قُداسٍ نَغَمْ
نَغَمٌ نَغَمْ
بينَ الضلوعِ كأنَّهُ زِلزالْ
يَنسابُ بينَ ضلوعِنا في الحالْ
ولكلِّ شيخٍ ، كلِّ قَسٍ في القلوبِ مَكانةٌ
هي في الحقيقةِ فَوقَ كلِّ خَيالْ
نِيلٌ شَرِبْناهُ معًا
حُلمٌ حَلُمناهُ معًا
عُمرٌ قَسمناهُ معًا
فَرَحٌ معًا
حُزنٌ معًا
دَومًا معًا نَتقاسَمُ الأحوالْ
والأرضُ عِشقٌ لا يُفارقُنا معًا
شَوقٌ يَدِبُّ بهذهِ الأوصالْ
"عِيسى" ، "مُحمدُ" أُخوةٌ
ورِسالةٌ مِن عِندِ خالِقِهِم لَنا
هُم أنبياءُ الحقِّ والصِّدقِ المُبينْ
والعُنفُ مَنبوذٌ هُنا
والقتلُ ذَنبٌ دائمًا وكبيرَةٌ
في كلِّ دِينْ
مِصرُ التي شَهِدتْ بُزوغَ الفجرِ
للدنيا وكانتْ قِبلةً للعاشقينْ
مِصرُ الحقيقةُ دَاخلي ،
مصرُ اليقينْ
مَهما اختلفنا بَيننا سِرٌ دَفينْ
هو ليسَ عِشقُ تُرابِها ،
هو ليسَ حُبُّ سمائِها
هو كلُّ هذا ذائِبٌ في نيلِها
هِبةُ الإلهِ لشعبِها ،
ولأهلِها ،
ولكلِّ مِلَّةْ
يا أنبياءَ اللهِ يا نورَ الهُدى
أنوارُكم شَمسٌ على الدنيا مُطِلَّة
عِيسى ومُوسى والنبيُّ مُحمدٌ
كانوا هُنا بقلوبِهم
وهناكَ آلافُ الأدلَّةْ
الخارجونَ عنِ الشرائعِ والسُّننْ
هُم مَارقونَ وقِلَّةٌ مُندسَّةٌ..
في زَيفِ قِلَّةْ
أفكارُهم مَسمومةٌ ، مسعورةٌ
سُودُ القلوبِ ، جوارحٌ
مَرضى بِداءِ الفتكِ والتضليلِ
لا تَشفى لهُم في الأصلِ عِلَّةْ
وسيُحشرونَ إلى جَهنَّمَ مُكرهينَ مُقيَّدينَ ،
مُنكِّسينَ رُءُوسَهم ، سودًا أذِلَّةْ
مَن أنتُمو كي تَستحِلُّوا قَتلَنا ؟
ودَمي الزكيُّ تُبيحُهُ ؟
مَن أنتَ حتى تَستحِلَّه ؟
اللهُ قد خلقَ القلوبَ لأجلِهِ
والدينُ في قلبِ العبادِ
كأنهُ نورُ الأهلَّةْ
حوَّلتُموهُ لسلعةٍ
والكلُّ هَبَّ ليستغِلَّهْ
يا مصرُ أُهديكِ السلامَ وأنحني ..
حُبًا وإجلالاً إلى وطنٍ
خُلِقْتُ لكي أُجلَّهْ
الحبُّ بينَ العابدينَ رِسالةٌ
ولكلِّ مَحبوبٍ مُحِبٌّ في الهوى حَتمًا أدَلَّهْ
الأنبياءُ أخِلَّةٌ للعابدينَ وصِدقِهمْ
ياويلَ خِلٍّ في التُقى ويَخونُ خِلَّهْ
يا مصرُ رَوعةُ أهلِنا في صِدقِهِم
وبساطةُ الإنسانِ حُبْ
وجهٌ بَشوشٌ رائعٌ مُتسامحٌ
قلبٌ يَفيضُ نَضارةً
ولذا يُحَبْ
مِن قبلِ أن تأتي الرسُل
في مصرَ كانتْ دعوةُ التوحيدْ
قلنا لهذا الكونِ رَبْ
فالدينُ يَضرِبُ في أصولِ جذورِنا
والدينُ أعذبُ مَنبعٍ للحبْ
لا تَسمعوا صَوتَ النَّعيقِ بأرضِكم
هو سِربُ غِربانٍ ويَزحفَ نحوَكم
مِن كلِّ صوبْ
مِن كلِّ آفاقٍ يُروِّجُ للفتنْ
بِدموعِهِ وصُراخِهِ وبزيِّهِ
والناسُ تَسقُطُ في الشّرَكْ
مِن غيرِ ذنبْ
هو ليسَ إلا حاقدًا ومُتاجرًا
عُذبَ اللسانِ وقلبُهُ كالذِّئبْ
أما الوطنْ
هو للجميعِ وكلُّنا في حُبِّ مصرَ منابعٌ
وبقلبِها حُبُّ الجميعِ يَصُبْ
قِبطٌ وإسلامٌ سلامٌ في الوجودِ عليهما
ونَردُّ كيدَ الكائدينَ لنحرِهم
كرَصاصةٍ في القلبْ
كثُرَ الذينَ تَربَّصوا
فَقِفوا معًا في وجهِ كلِّ دَسيسةٍ
وخَديعةٍ من كلِّ كلبْ
يا مَريمُ العذراءَ ألفُ تحيَّةٍ
مِن عاشقٍ مُتوسِّلٍ ومُتيَّمٍ
ولآلِ يَعقوبٍ مُحبْ
يَبقى المسيحُ مَحبَّةً وتَسامُحًا ورسالةً
تَشفِي القلوبَ بِبلسَمٍ كالطبْ
يا مصرُ رُدِّي دائمًا كيدَ العِدا
وتألَّقي قمرًا بكلِّ سماءِ
أحلى بناتِ الحيِّ رغمَ أُنوفِهِمْ
هي غَيرةٌ تأتي على استحياءِ
فجرُ الحضارةِ عَاشَ يَبزُغُ مِن هنا
والكونُ كانَ يَتيهُ في الظلماءِ
تاريخُ كلِّ الناسِ نحنُ أوائلٌ
تاريخُنا هو ظاهرٌ للرائي
قِبطٌ وإسلامٌ معًا منذُ القِدمْ
تَصنيفُنا مَكرٌ يُروِّجه هنا أعدائي
سيظلُّ نورُكِ سَرمديًّا سَاطعًا
رغمَ الصُّراخِ ونَعرَةِ الجُهلاءِ
دَمّي ودَمُّكَ يا صديقي واحدٌ
فدمُ المسيحِ يَذوبُ بينَ دِمائي
مِن رَحْمِ مصرٍ قد وُلِدْنا كلُّنا
هي أُمُّنا مِنها الشُّموخُ وعزَّتي وإبائي
مِن طعنةِ الكلبِ التي قد صُوِّبَتْ لقلوبِنا
أنا مصرُكم وجميعُكم شُهدائي
ليسَ العزاءُ لقبطِنا .. إسلامِنا
هو قلبُ مصرٍ قد جُرِحْ
والجرحُ يَصرخُ نازفًا بفؤادي
النيلُ غُسلٌ للضحايا طاهرٌ ومُقدَّسٌ
يا هل تُرى
أهناكَ نِيلٌ مُسلمٌ
وهناكَ نيلٌ آخرٌ نَصراني ؟
والأرضُ قَبرٌ ضَمَّنا
قبري وقبرُكَ سوفَ يلتقيانِ
والشَّمسُ تَمنحُنا جميعًا دِفأَها
والطيرُ يشدو للجميعِ أغاني
وهواؤها في كلِّ صدرٍ يَنتشرْ
من خيرِها يَتقاسمُ الطرفانِ
والسحرُ سحرٌ للجميعِ أمرَّةً
سحرتْ فُلانًا دونَ سحرِ فلان؟
والزرعُ مزروعٌ لنا
والضَّرعُ مملوءٌ لنا
والكلُّ يَرتعُ في رُبا أحضاني
تتنازعونَ كأُخوةٍ لكنكم
في الليلِ تجمعُكم شُموسُ محبَّتي
تَتدفَّقونَ فيرتوي شِرياني
مهما اختلفنا لا خِلافَ لأننا
أخٌّ يُعاتِبُ في أخيهِ الحاني
يا قِبطَ مصرٍ السلامُ عليكمُ
وعلى المسيحِ
بِمَريَمٍ إيماني
عاهدتُكم ألا أكونَ بغيرِكم
إنْ غِبتُمو غابَ الوجودُ ،
تَصدَّعتْ أركاني
هي مصرُنا مِنَّا ومِنكم أَشرقتْ
لا ضوءَ فيها لو يَغيبُ الثاني
لسنا ضيوفًا عندَكم
لستُم ضُيوفًا عِندَنا
هي مِصرُنا
هذا مَكانُكَ دائمًا ومكاني
مصرُ الحبيبةُ ليستِ الوطنَ الذي نَسكنُهُ
لكنَّها وطنٌ ويَسكنُنا معًا
ويَعيشُ فينا شامخًا مُتفاني
ولكلِّ قِسٍّ داخلي قُدسيَّةٌ
وبأمرِ ربي حُبُّكمْ
هذا الذي قد جاءَ في القرآنِ
ونَبِيُّكم تاجٌ ورُوحٌ أُرسِلَتْ
لو أنني أنكرتُهُ
لا دِينَ لي .. بل ناقصٌ إيماني
فبحقِّ عيسى والنبيِّ محمدٍ
عِيشوا معًا في مصرِكم
وتألَّقوا في جوِّها الرُّوحاني
ولنبقَ في الدنيا معًا ضِدَّ العدا
قُوموا هلُموا أسرعوا إخواني
لَطْمُ الخدودِ ولن يُفيدَ هنا أحدْ
الوقتُ حانَ لقطعِ رأسِ الجاني
مصرُ التي دومًا تُناديكم معًا
قوموا إليها كَرْبُها قد زادْ
مُستهدفٌ فيها جميعُ صِغارِها
قوموا تَصدُّوا جاءَتِ الأوغادْ
هُم يُضمرونَ الكُرهَ في أعماقِهِم
كم مِن عَبيدٍ تَكرهُ الأسيادْ
دُقُّوا نَواقيسَ الكنائسِ
وارفعوا صُلبانَكم
اللهُ أكبرُ عادَتِ الأعيادْ
وتَعلَّموا من درسِكم وتَكاتَفوا
حَولَ العَلَمْ
لا غَيرَهُ في حُبِّ مصرَ حقيقةً
خَلُّوا التنافُسَ بينَنا يزدادْ
مَن في البريَّةِ عِندَهُ وطنٌ حَبيبٌ مِثلَنا ؟
مِيراثُنا من أروعِ الأجدادْ
مَن عِندَهُ روحٌ كروحِكَ تَتَّقِدْ
يا أيُّها المصريُّ رِفقًا بالفؤادْ
تلكَ البساطةُ أشعلتْ حُسَّادَكم
وبخفَّةِ الأرواحِ التي تُعتادْ
صِرتِ المَليكَ على القلوبِ بأسرِها
وغدوتِ وحدَكِ قِبلةً ومُرادْ
لو قَتَّلونا كلَّنا في لحظةٍ
ستظلُّ مصرُ عظيمةً
ستظلُّ مصرُ مَنارةً وجِهادْ
في كلِّ مصريٍّ سنبني مسجدًا وكنيسةً
وبِحبِّ عيسى والنبيِّ محمدٍ
يَستنجِدُ العُبَّادْ
رُدُّوا المكيدةَ صوبَ نحرِ مُخادعٍ
إيَّاكُمو في لحظةٍ
نحوَ التطرُّفِ كلُّنا ننقادْ
وتساءَلوا في نفسِكم
مَن ذا يُريدُ جِنازةً
للطمِ يَشبعُ عِندَها الحُسَّادْ
هي مصرُكم
وبحُبِّكمْ ..
ستعودُ يومًا ..
دولةَ الأمجادْ
.
لا يوجد تعليقات حالياً