لم أجد أحدا – إيليا أبو ماضي
قالت سكتّ و ما سكتّ سدى … أعيا الكلام عليك أم نفدا ؟
إنّا عرفنا فيك ذا كرم … ما إن عرفنا فيك مقتصدا
فاطلق يراعك ينطلق خببا … واحلل لسانك يحلل العقدا
ما قيمة الإنسان معتقدا … إن لم يقل للناس ما اعتقدا ؟
و الجيش تحت البند محتشدا … إن لم يكن للحرب محتشدا ؟
و النور مستترا ؟ فقلت لها … كفّي الملامة و اقصري الفندا
ماذا يفيد الصوت مرتفعا … إن لم يكن للصوت ثمّ صدى ؟
و النور منبثقا و منتشرا … إن لم يكن للناس فيه هدى ؟
إنّ الحوادث في تتابعها … أبدلني من ضلّتي رشدا
ما خانني فكري و لا قلمي … لكن رأيت الشعر قد كسدا …
كان الشّباب ، و كان لي أمل … كالبحر عمقا ، كالزمان مدى
و صحابه مثل الرّياض شذى … و صواحب كورودها عددا
لكنّني لمّا مددت يدي … و أدرت طرفي لم أجد أحدا ..
ذهب الصّبي و مضى الهوى معه … أصبابه و الشيب قد وفدا ؟
فاليوم إن أبصرت غانية … أغضي كأنّ بمقلتي رمدا
و إذا تدار الكأس أصرفها … عنّي ، و كنت ألوم من زهدا
و إذا سمعت هتاف شادية … أمسكت عنها السمع و الكبدا
كفّنت أحلامي و قلت لها … نامي فإنّ الحبّ قد رقدا
وقع الخطوب عليّ أخرسني … و كذا العواصف تسكت الغردا
عمرو صديق كان يحلف لي … إن نحت ناح و إن شدوت شدا
و إذا مشيت إلى المنون مشى … و إذا قعدت لحاجة قعدا
صدّقته ، فجعلته عضدي … و أقمت من نفسي له عضدا
لكنّني لمّا مددت يدي … و أدرت طرفي لم أجد أحدا ..
هند ، و أحسبني إذا ذكرت … أطأ الأفاعي ، أو أجسّ مدى
كانت إلها ، كنت أعبده … و أجلّه ، و الحسن كم عبدا
كم زرتها و الحيّ منبته … و تركتها و الحيّ قد هجدا
و لكم و قفت على الغدير بها … و الريح تنسج فوقه زردا
و الأرض ترقص تحتنا طربا … و الشهب ترقص فوقنا حسدا
و لكم جلسنا في الرياض معا … لا طارئا نخشى و لا رصدا
و اللّيل فوق الأرض منسدل … و الغيم فوق البدر قد جمدا
قد كاشفتني الحبّ مقتربا … و شكت إليّ الشوق مبتعدا
لكنّني لمّا مددت يدي … و أدرت طرفي لم أجد أحدا ..
قومي ، و قد أطربتهم زمنا … ساقوا إليّ الحزن و الكمدا
هم عاهدوني إن مددت يدي … ليمدّ كلّ فتى إليّ يدا
قالوا غدا تهمي سحائبنا … فرجعت أدراجي أقول غدا
و ظننت أنّي مدرك أربي … إن غار تحت الأرض أو صعدا
فذهبت أمشي في الثرى مرحا … ما بين جلّاسي و منفردا
تيه المجاهد نال بغيته … أو تيه مسكين إذا سعدا
لكنّني لمّا مددت يدي … و أدرت طرفي لم أجد أحدا …
هم هدّدوني حين صحت بهم … صيحاتي الشّعواء منتقدا
و رأيت في أحداقهم شررا … و رأيت في أشداقهم زبدا
و سمعت صائحهم يقول لهم … أن أقتلوه حيثما وجدا
فرجعت أحسبهم برابرة … في مهمة و أظنّني ولدا
مرّت ليال ما لها عدد … و أنا حزين باهت كمدا
أرتاع إن أبصرت واحدهم … ذعر الشويهة أبصرت أسدا
و إذا رقدت رقدت مضطربا … و إذا صحوت صحوت مرتعدا
لكنّني لمّا مددت يدي … و أدرت طرفي لم أجد أحدا …
لا تذكروهم لي ، و إن سألوا … لا تذكروني عندهم أبدا
لا يملأ السربال واحدهم … و له وعود تملأ البلدا
يا ليتني ضيّعت معرفتي … من قبل أعرف منهم أحدا