لك يا منازل في القلوب منازل – المتنبي

لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ … أقفَرْتِ أنْتِ وهنّ منكِ أواهِلُ

يَعْلَمْنَ ذاكَ وما عَلِمْتِ وإنّمَا … أوْلاكُما يُبْكَى عَلَيْهِ العاقِلُ

وأنَا الذي اجتَلَبَ المَنيّةَ طَرْفُهُ … فَمَنِ المُطالَبُ والقَتيلُ القاتِلُ

تَخْلُو الدّيارُ منَ الظّباءِ وعِنْدَهُ … من كُلّ تابِعَةٍ خَيالٌ خاذِلُ

أللاّءِ أفْتَكُهَا الجَبانُ بمُهْجَتي … وأحَبُّهَا قُرْباً إليّ البَاخِلُ

ألرّامِياتُ لَنَا وهُنّ نَوافِرٌ … والخاتِلاتُ لَنَا وهُنّ غَوافِلُ

كافأنَنَا عَنْ شِبْهِهِنّ مِنَ المَهَا … فَلَهُنّ في غَيرِ التّرابِ حَبَائِلُ

مِنْ طاعِني ثُغَرِ الرّجالِ جآذِرٌ … ومِنَ الرّماحِ دَمَالِجٌ وخَلاخِلُ

ولِذا اسمُ أغطِيَةِ العُيُونِ جُفُونُها … مِنْ أنّها عَمَلَ السّيُوفِ عَوامِلُ

كم وقْفَةٍ سَجَرَتكَ شوْقاً بَعدَما … غَرِيَ الرّقيبُ بنا ولَجّ العاذِلُ

دونَ التّعانُقِ ناحِلَينِ كشَكْلَتيْ … نَصْبٍ أدَقَّهُمَا وضَمَّ الشّاكِلُ

إنْعَمْ ولَذّ فَلِلأمورِ أواخِرٌ … أبَداً إذا كانَتْ لَهُنّ أوائِلُ

ما دُمْتَ مِنْ أرَبِ الحِسانِ فإنّما … رَوْقُ الشّبابِ علَيكَ ظِلٌّ زائِلُ

للّهْوِ آوِنَةٌ تَمُرّ كأنّهَا … قُبَلٌ يُزَوَّدُهَا حَبيبٌ راحِلُ

جَمَحَ الزّمانُ فَلا لَذيذٌ خالِصٌ … ممّا يَشُوبُ ولا سُرُورٌ كامِلُ

حتى أبو الفَضْلِ ابنُ عَبْدِالله رُؤ … يَتُهُ المُنى وهيَ المَقامُ الهَائلُ

مَمْطُورَةٌ طُرُقي إلَيهَا دونَهَا … مِنْ جُودِهِ في كلّ فَجٍّ وابِلُ

مَحْجُوبَةٌ بسُرادِقٍ مِنْ هَيْبَةٍ … تَثْني الأزِمّةَ والمَطيُّ ذَوامِلُ

للشّمسِ فيهِ وللسّحابِ وللبِحَا … رِ وللأسُودِ وللرّياحِ شَمَائِلُ

ولَدَيْهِ مِلْعِقْيَانِ والأدَبِ المُفَا … دِ ومِلْحيَاةِ ومِلْمَماتِ مَنَاهِلُ

لَوْ لم يَهَبْ لجَبَ الوُفُودِ حَوَالَهُ … لَسَرَى إلَيْهِ قَطَا الفَلاةِ النّاهِلُ

يَدْري بمَا بِكَ قَبْلَ تُظْهِرُهُ لَهُ … مِن ذِهْنِهِ ويُجيبُ قَبْلَ تُسائِلُ

وتَراهُ مُعْتَرِضاً لَهَا ومُوَلّياً … أحْداقُنا وتَحارُ حينَ يُقابِلُ

كَلِماتُهُ قُضُبٌ وهُنّ فَوَاصِلٌ … كلُّ الضّرائبِ تَحتَهُنّ مَفاصِلُ

هَزَمَتْ مَكارِمُهُ المَكارِمَ كُلّهَا … حتى كأنّ المَكْرُماتِ قَنَابِلُ

وقَتَلْنَ دَفْراً والدُّهَيْمَ فَما تَرَى … أُمُّ الدُّهَيْمِ وأُمُّ دَفْرٍ ثَاكِلُ

عَلاّمَةُ العُلَمَاءِ واللُّجُّ الّذي … لا يَنْتَهي ولِكُلّ لُجٍّ ساحِلُ

لَوْ طابَ مَوْلِدُ كُلّ حَيٍّ مِثْلِهِ … وَلَدَ النّساءُ وما لَهنّ قَوابِلُ

لَوْ بانَ بالكَرَمِ الجَنينُ بَيانَهُ … لَدَرَتْ بهِ ذَكَرٌ أمْ أنثى الحامِلُ

ليَزِدْ بَنُو الحَسَنِ الشِّرافُ تَواضُعاً … هَيهاتِ تُكْتَمُ في الظّلامِ مشاعلُ

جَفَختْ وهم لا يجفَخونَ بها بهِمْ … شِيَمٌ على الحَسَبِ الأغَرّ دَلائِلُ

مُتَشابِهُو وَرَعِ النّفُوسِ كَبيرُهم … وصَغيرُهمْ عَفُّ الإزارِ حُلاحِلُ

يا کفخَرْ فإنّ النّاسَ فيكَ ثَلاثَةٌ … مُسْتَعْظِمٌ أو حاسِدٌ أو جاهِلُ

ولَقَدْ عَلَوْتَ فَما تُبالي بَعدَمَا … عَرَفُوا أيَحْمَدُ أمْ يَذُمُّ القائِلُ

أُثْني عَلَيْكَ ولَوْ تَشاءُ لقُلتَ لي … قَصّرْتَ فالإمْساكُ عنّي نائِلُ

لا تَجْسُرُ الفُصَحاءُ تُنشِدُ ههُنا … بَيْتاً ولكِنّي الهِزَبْرُ البَاسِلُ

ما نالَ أهْلُ الجاهِلِيّةِ كُلُّهُمْ … شِعْرِي ولا سمعتْ بسحري بابِلُ

وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ … فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ

مَنْ لي بفَهْمِ أُهَيْلِ عَصْرٍ يَدّعي … أنْ يَحْسُبَ الهِنديَّ فيهِمْ باقِلُ

وأمَا وحَقّكَ وهْوَ غايَةُ مُقْسِمٍ … لَلْحَقُّ أنتَ وما سِواكَ الباطِلُ

ألطِّيبُ أنْتَ إذا أصابَكَ طِيبُهُ … والماءُ أنتَ إذا اغتَسَلْتَ الغاسِلُ

ما دارَ في الحَنَكِ اللّسانُ وقَلّبَتْ … قَلَماً بأحْسَنَ مِنْ ثَنَاكَ أنَامِلُ