كَيْفَ السّبِيلُ إلى طَيْفٍ يُزَاوِرُهُ – أبو فراس الحمداني

كَيْفَ السّبِيلُ إلى طَيْفٍ يُزَاوِرُهُ … والنّوْمُ، في جُملَة ِ الأحبابِ، هاجرُهُ؟

الحبُّ آمرهُ ، والصونُ زاجرهُ ، … وَالصَّبْرُ أوّلُ مَا تَأتي أوَاخِرُهُ

أنَا الّذي إنْ صَبَا أوْ شَفّهُ غَزَلٌ … فللعفافِ ، وللتقوى مآزرهُ

وأشْرَفُ النّاسِ أهْلُ الحُبّ منزِلَة ً، … وَأشرَفُ الحُبّ مَا عَفّتْ سَرَائِرُهُ

ما بالُ ليليَ لا تسري كواكبهُ ، … وَطَيْف عَزّة َ لا يَعْتَادُ زَائِرُهُ؟

منْ لا ينامُ ، فلا صبرٌ يؤازرهُ … و لا خيالٌ ، على شحطٍ ، يزاوره ُ

يَا سَاهِراً، لَعِبَتْ أيْدِي الفِرَاقِ به … فالصبرُ خاذلهُ ، والدمعُ ناصرهُ

إنَّ الحبيبَ الذي هامَ الفؤادُ بهِ ، … يَنَامُ عَن طُولِ لَيلٍ، أنتَ ساهرُهُ

ما أنسَ لا أنسَ ، يومَ البينِ ، موقفنا … والشّوْقُ يَنهَى البُكَى عنّي وَيأمُرُهُ

و قولها ، ودموعُ العينِ واكفة ٌ : … هَذَا الفِرَاقُ الّذِي كُنّا نُحَاذِرُهُ

هلْ أنتِ ، يا رفقة َ العشاقِ ، مخبرتي … عنِ الخليطِ الذي زمتْ أباعرهُ ؟

وَهَلْ رَأيتِ، أمَامَ الحَيّ، جَارِيَة ً … كالجُؤذَرِ الفَرْدِ، تَقفُوهُ جآذِرُهُ؟

و أنتَ ، يا راكباً ، يزجي مطيتهُ … يَسْتَطْرِقُ الحَيَّ لَيْلاً، أوْ يَباكِرُهُ

إذا وصلتَ فعرضْ بي وقلْ لهمُ : … هَلْ وَاعِدُ الوَعدِ يَوْمَ البَينِ ذاكِرُهُ؟

ما أعجبَ الحبَّ يمسي طوعَ جارية ً … في الحيِّ منْ عجزتْ عنهُ مساعرهُ

وَيَتّقي الحَيَّ مِنْ جَاءٍ وَغَادِية ٍ … كيفَ الوصولِ إذا ما نامَ سامرهُ ؟

يا أيّها العاذِلُ الرّاجي إنَابَتَهُ، … و الحبُّ قدْ نشبتْ فيهِ أظافره ُ،

لا تشغلنَّ ؛ فما تدري بحرقتهِ ، … أأنتَ عاذلهُ ؟ أمْ أنتَ عاذرهُ ؟

و راحلٍ أوحشَ الدنيا برحلتهِ ، … و إنْ غدا معهُ قلبي يسايرهُ

هلْ أنتَ مبلغهُ عني بأنَّ لهُ … وداً ، تمكنَ في قلبي يجاورهُ ؟

و أنني منْ صفتْ منهُ سرائرهُ ، … وَصَحّ بَاطِنُهُ، مِنهُ، وَظَاهِرُهُ؟

وَمَا أخُوكَ الذي يَدْنُو بِهِ نَسَبٌ، … لكنْ أخوكَ الذي تصفو ضمائرهُ

و أنني واصلٌ منْ أنتَ واصلهُ ، … و أنني هاجرٌ منْ أنتَ هاجرهُ

و لستُ واجدَ شيءٍ أنتَ عادمهُ ، … وَلَسْتُ غَائِبَ شَيْءٍ أنْتَ حَاضِرُهُ

وافى كتابكَ ، مطويا على نزهٍ ، … يَحَارُ سَامِعُهُ فِيهِ، وَنَاظِرُهُ

فالعينُ ترتعُ فيما خطَّ كاتبهُ ، … و السمعُ ينعمُ فيما قالَ شاعرهُ

فإنْ وقفتُ ، أمامَ الحيِّ أنشدهُ ، … ودَّ الخرائدُ لوْ تقنى جواهرهُ

” أبا الحصينِ ” وخيرُ القولِ أصدقهُ ، … أنتَ الصديقُ الذي طابتْ مخابرهُ

لَوْلا اعْتِذَارُ أخِلاّئي بِكَ انصَرَفوا … بِوَجْه خَزْيَانَ لمْ تُقْبَلْ مَعَاذِرُهُ

أين الخَلِيلُ الذي يُرضِيكَ بَاطِنُهُ، … معَ الخطوبِ ، كما يرضيكَ ظاهرهُ ؟

أمّا الكِتَابُ، فَإني لَسْتُ أقْرَؤهُ … إلاّ تَبَادَرَ مِنْ دَمْعي بَوَادِرُهُ

يجري الجمانُ ، كما يجري الجمانُ بهِ ، … وَيَنْشُرُ الدّرَّ، فَوْقَ الدّرّ، نَاثِرُهُ

أنَا الذي لا يُصِيبُ الدّهرُ عِتْرَتَهُ، … ولا يبيتُ على خوفٍ مجاورهُ

يُمْسِي وَكُلّ بِلادٍ حَلّهَا وَطَنٌ، … وكلُّ قومٍ ، غدا فيهمْ ، عشائرهُ

و ما تمدُّ لهُ الأطنابُ في بلدٍ ، … إلاّ تَضَعْضَعَ بَادِيهِ وَحَاضِرُهُ

ليَ التخيرُ ، مشتطاً ومنتصفاً ، … وللأفاضلِ ، بعدي ، ما أغادرهُ

زاكي الأصولِ ، كريمُ النبعتينِ ؛ ومنْ … زَكَتْ أوَائِلُهُ طَابَتْ أوَاخِرُهُ

فمنْ ” سعيدِ بنَ حمدانٍ ” ولادتهُ ، … و منْ ” عليِّ بنِ عبدِ اللهِ ” سائرهُ

ألقَائِلُ، الفَاعِلُ، المَأمُونُ نَبوَتُهُ … والسيدُ الأيدُ ، الميمونُ طائرهُ

بَنى لَنَا العِزَّ، مَرْفُوعا دَعَائِمُهُ، … وشَّيدَ المجدَ ، مشتدا ً مرائرهُ

فَمَا فَضَائِلُنَا إلاّ فَضَائِلُهُ، … وَلا مَفَاخِرُنَا إلاّ مَفَاخِرُهُ

لقدْ فقدتُ أبي ، طفلاً ، فكانَ أبي ، … منَ الرجالِ ، كريمُ العودِ ، ناضرهُ

فهوَ ابنُ عمي دنيا ، حينَ أنسبهُ … لَكِنّهُ ليَ مَوْلى ً لا أُنَاكِرُهُ

ما زالَ لي نجوة ً، مما أحاذرهُ ، … لاَ زالَ ، في نجوة ٍ ، مما يحاذرهُ

… مِنْهُ، وَعُمّرَ للإسْلاَمِ عَامِرُهُ

وَقَد سَمَحتُ غَداة َ البَيْنِ، مُبتَدِئاً … مِنَ الجَوَابِ، بوَعدٍ أنتَ ذاكِرُهُ

بقيتَ ، ماغردتْ ورقُ الحمامِ ، وما … استهلَّ منْ مونقِ الوسميِّ باكرهُ

حَتى تُبَلَّغَ أقْصى مَا تُؤمّلُهُ، … من الأمُورِ، وَتُكفَى ما تُحاذِرُهُ

بقيتَ ، ماغردتْ ورقُ الحمامِ ، وما … استهلَّ منْ مونقِ الوسميِّ باكرهُ

حَتى تُبَلَّغَ أقْصى مَا تُؤمّلُهُ، … من الأمُورِ، وَتُكفَى ما تُحاذِرُهُ