غَضِبَ الحبيبُ فهاجَ لي استعبارُ – أبو الفضل بن الأحنف
غَضِبَ الحبيبُ فهاجَ لي استعبارُ … والله لي ممّا أُحاذِرُ جَارُ
كنّا نُغايظُ بالوِصال مَعاشراً … لهُمُ الغَداة َ بصَرمِنا اسْتِبشارُ
إذ لا أرى شكلاً يكونُ كَشِكلِنا … حُسناً ويَجمعُنا هُناك جِوارُ
وكأننا لمْ نجتمع في مجلسٍ … فِيه الغِناءُ ونَرجِسٌ وبَهارُ
مَا كان أشأْمَ مَجلِساً كنّا بهِ … تلك العَشييّة َ والعِدا حُضّار
مَدَنيّة ٌ أمْسَى العِراقُ مَحلَّها … ولها بزوراء المدينة ِ دارُ
أدنى قَرابتِنا إليها أننا … شَخصانِ يَجمعُنا إليه نِزارُ
ياأيها الرجلُ المعذّبُ قلبهُ … أقصِر فإنّ شِفاءكَ الإقصارُ
نزَفَ البُكاءُ دموعَ عينكَ فاستعر … عيناً لغيركَ دمعُها مِدرارُ
من ذَا يُعِيرُكَ عَيْنَهُ تبكي بها؟ … أرأيتَ عيناً للبكا تعارُ
الحُبُّ أوّلُ مَا يَكُونُ لجَاجة ً … تأتي به وتسوقه الأقدارُ
حتى إذا اقتحمَ الفتى لُجَجَ الهوى … جاءت أُمورٌ لا تُطاقُ كِبارُ
إذا نظرتَ إلى المُحبّ عرفتَهُ … وبدَت عليه مِن الهَوى آثارُ
قُل ما بدا لكَ أن تقول فربما … ساقَ البلاءَ إلى الفتى المِقدارُ
يا فوزُ هل لك أن تعودي للّذي … كُنّا عليهِ مُنذ نحنُ صغارُ
فلقَد خَصَصتُكِ بالهَوى وصرَفتُه … عمّن يُحدّثُ عنكُمُ فيغارُ
هل تذكرين بارِ بكرٍ لهْونا … ولنا بذاك مخافة ٌ وحِذارُ
مُتَطاعِمينِ بِريقِنافي خلوة ٍ … مثلَ الفراخِ تزُقّها الأطيارُ
أم تذكُرين لِدُلْجَتي متنكِّراً … وعليّ فروَا عاتقٍ وخِمارُ
فَوددتُ أنّ الليل دامَ وأنه … ذهبَ النهارُ فلا يكونُ نهارُ
أفَما لذلك حُرمة ٌ محفُوظَة ٌ … أُفٍّ لمَن هُوَ قاطِعٌ غَدّارُ
سأُقِرُّ بالذّنبِ الذي لَمْ أجنِه … إن كان ينفعُ عندَكِ الإقرارُ
ما تأمرين فَدَتكِ نفسي في فتّى … ما تَلْتَقي لجُفونهِ أشفَارُ
من كانَ يبغضكمْ فباتَ مبيتَهُ … إن الهوى لذَوي الهوى ضَرّارُ
صَرَمَ الأحبة ُ حبْلهُ فكأنهُ … إذ غادَرُه وضرّه الإضرارُ
رَجُلٌ تطاولَ سُقمُه في غُربة ٍ … نزَحَتْ به عن أهلِه الأسفارُ
لا يستطيعُ من الضرورة ِ حيلة ٍ … أمْسَى تُرَجَّمُ دونَه الأخبارُ
حتى أتيحَ له ، وذالك لحَينِه، … رَكبٌ رمتْ بهمُ الفجاجُ تِجارُ
حَمَلُوه بينَهُم نَحِيلاً جسمُه … عاري العِظامِ ثيابُه أطمَارُ
فثَوى تُقلّبُه الأكُفُّ مُلَقَّفاً … ولَهُ تُشدُّ وتُوضَعُ الأَكوارُ
حَتى إذا سلَكوا به في مَهمهٍ … قَفرٍ تَضِلُّ به القَطا وتَحارُ
غَرِضُوا مِنَ النِّضْوِ العليلِ فعطَّلوا … منه الرّكاب وخلّفُوه وساروا