طيف لعلوة ما ينفك يأتيني – البحتري
طَيفٌ لعَلْوَةَ ما يَنفَكُّ يأتيني، … يَصْبُو إليّ، على بُعْدٍ، وَيُصْبيني
تَحيّةُ الله تُهْدَى، وَالسّلامُ على … خَيَالِكِ الزّائِرِي وَهْناً، يُحَيّيني
إذا قَرُبْتُ، فهَجْرٌ مِنكِ يُبعِدُني؛ … وَإنْ بَعُدْتُ، فوَصْلٌ منكِ يُدنيني
تَصَرّمَ الدّهرُ لا وَصْلٌ، فيُطمِعَني … فيما لَدَيكِ، وَلا يأسٌ، فَيُسْليني
وَلَستُ أعجَبُ من عِصْيانِ قلبكِ لي … عَمداً، إذا كانَ قلبي فيكِ يَعصِيني
أمَا وَما احمَرّ من وَرْدِ الخُدودِ ضُحًى، … وَاحوَرّ في دَعَجٍ مِنْ أعْيُنِ العِينِ
لقَد حَبَوْتُ صَفاءَ الوِدّ صَائِنَهُ … عَنّي، وَأقْرَضْتُهُ مَنْ لا يُجازِيني
هَوًى على الهُونِ أُعطيهِ، وَأعْهَدُني، … من قَبلِ حُبِِّيكِ، لا أعطي على الهونِ
ما لي يُخَوّفُني مَنْ لَيسَ يَعْرِفُني … بالنّاسِ، وَالنّاسُ أحرَى أن يَخافوني
إذا عَقَدْتُ عَلى قَوْمٍ مُشَنَّعَةً، … فَليُكثِرُوا القَوْلَ في عَيبي، وَتهجيني
وَقَدْ بَرِئْتُ إلى العِرّيضِ مِنْ فِكَرٍ … مُبيرَةٍ، وَلِسَانٍ غَيرِ مَضْمُونِ
وَلَسْتُ مُنْبَرِياً بالجَهْلِ أجْعَلُهُ … صِنَاعَةً، ما وَجدتُ الحِلمَ يكفيني
إنّي، وَإنْ كنتُ مَرْهوباً لعادِيَةٍ، … أرْمي عَدُوّي بها في الفَرْطِ وَالحينِ
لَذُو وَفَاءٍ لأهْلِ الوِدّ مُدّخَرٍ … عِندي، وَغَيبٍ على الإخوَانِ مأمونِ
هَلِ ابنُ حَمدونَ مَرْدودٌ إلى كَرَمٍ، … عَهِدْتُهُ مَرّةٍ عِنْدَ ابنِ حَمْدُونِ
أخٌ، شكَرْتُ لَهُ نُعمَى أخي ثِقَةٍ، … زَكَتْ لَدَيّ، وَمَنّاً غَيرَ مَمنونِ
طافَ الوُشاةُ بهِ بَعدِي، وَغَيّرَهُ … مَعاشِرٌ كُلُّهُمْ بالسّوءِ يَعنيني
أصْبَحْتُ أرْفَعُهُ حَمْداً، وَيخفِضُني، … ذَمّاً، وَأمْدَحُهُ طَوْراً، وَيَهجوني
وَعَادَ مُحْتَفِلاً بالسّوءِ يَهدِمُني، … وكانَ مِنْ قَبلُ بالإحسانِ يَبنيني
تَدعُو اللَّئامَ إلى شَتمي وَمَنقَصَتي، … بِئسَ الحِباءُ على مَدحيكَ تَحْبُوني
أينَ الوَدادُ الذي قَد كنتَ تَمنَحُني، … أَيْنَ الصّفاءُ الذي قَد كنتَ تُصْفيني
إنْ كانَ ذَنْبٌ فأهلُ الصّفحِ أنتَ، وَإن … لمْ آتِ ذَنْباً فَفيمَ اللّوْمُ يَعرُوني
بَني زَُرَارَاءَ وَما أزْرَى بكُمْ حَسَبٌ … دونٌ، وَما الحَسَبُ العاديُّ بالدّونِ
تِلْكَ الأعاجِمُ تُنميكُمْ أوَائِلُهَا … إلى الذّوَائِبِ مِنها، وَالعَرَانِينِ
فَخْرُ الدّهاقِينِ مأثُور وفَخْرُكُمُ … مِنْ قَبلُ دَهْقَنَ آبَاءَ الدّهاقينِ
إنّي أعُدُّكُمُ رَهْطي، وَأجْعَلُكُمْ … أحَقُّ بالصّوْنِ مِنْ عِرْضِي وَمن ديني