صلة الهجر لي وهجر الوصال – المتنبي

صِلَةُ الهَجْرِ لي وهَجرُ الوِصالِ … نَكَساني في السُّقمِ نُكسَ الهِلالِ

فَغَدا الجِسْمُ ناقِصاً والذي يَنْـ … ـقُصُ مِنْهُ يَزيدُ في بَلْبَالي

قِفْ على الدِّمْنَتَينِ بِالدَّوِّ من رَيّـ … ـا كَخالٍ في وجنةٍ جنبَ خالِ

بطُلُولٍ كأنّهُنّ نُجُومٌ … في عِراصٍ كأنّهُنّ لَيَالِ

وَنُؤيٍّ كأنّهُنّ عَلَيْهِـ … ـنّ خِدامٌ خُرْسٌ بسُوقٍ خِدالِ

لا تَلُمْني فإنّني أعْشَقُ العُشّـ … ـاقِ فيها يا أعْذَلَ العُذّالِ

ما تُريدُ النّوَى منَ الحَيّةِ الذوّ … اقِ حَرَّ الفَلا وبَرْدَ الظّلالِ

فهوَ أمضَى في الرّوْعِ من مَلَكِ الموْ … تِ وأسرَى في ظُلمةٍ من خيالِ

ولحَتْفٍ في العِزّ يَدْنُو مُحِبٌّ … ولعُمْرٍ يَطُولُ في الذّلّ قالِ

نحنُ رَكْبٌ مِلْجِنِّ في زيّ ناسٍ … فوْقَ طَيرٍ لها شخوصُ الجِمالِ

من بَناتِ الجَديلِ تَمشي بنا في الـ … ـبيدِ مَشْيَ الأيّامِ في الآجالِ

كُلُّ هَوْجاءَ للدّياميمِ فيها … أثَرُ النّارِ في سَليطِ الذُّبَالِ

عامِداتٍ للبَدْرِ والبَحْرِ والضِّرْ … غامَةِ ابنِ المُبارَكِ المِفْضالِ

مَنْ يَزُرْهُ يَزُرْ سُلَيْمانَ في الملْـ … ـكِ جَلالاً ويُوسُفاً في الجَمَالِ

ورَبيعاً يُضاحِكُ الغَيثُ فيهِ … زَهَرَ الشّكْرِ من رِياضِ المَعالي

نَفَحَتْنَا منهُ الصَّبَا بنَسيمٍ … رَدّ روحاً في مَيّتِ الآمَالِ

هَمُّ عَبدِ الرّحمنِ نَفعُ المَوالي … وبَوارُ الأعْداءِ والأمْوالِ

أكبرُ العَيبِ عندَهُ البُخلُ والطّعْـ … ـنُ عَلَيْهِ التّشْبيهُ بالرّئْبَالِ

والجِراحاتُ عِندَهُ نِعَمَاتٌ … سُبِقَتْ قَبلَ سَيْبِهِ بِسُؤالِ

ذا السّراجُ المُنِيرُ هذا النّقيُّ الـ … ـجَيْبِ هذا بَقِيّةُ الأبْدالِ

فَخُذا ماءَ رِجْلِهِ وانْضِحا في الـ … ـمُدْنِ تأمَنْ بَوائِقَ الزّلْزَالِ

وامْسَحَا ثَوْبَهُ البَقيرَ على دا … ئِكُما تُشْفَيَا مِنَ الإعْلالِ

مالِئاً مِنْ نَوالِهِ الشّرْقَ والغَرْ … بَ ومن خَوْفِهِ قُلوبَ الرّجالِ

قابِضاً كَفّهُ اليَمينَ على الدّنْـ … ـيَا ولَوْ شاءَ حازَها بالشّمالِ

نَفْسُهُ جَيْشُهُ وتَدْبيرُهُ النّصْـ … ـرُ وألحاظُهُ الظُّبَى والعَوالي

ولَهُ في جَماجِمِ المالِ ضَرْبٌ … وَقْعُهُ في جَماجِمِ الأبْطالِ

فَهُمُ لاتّقائِهِ الدّهْرَ في يَوْ … مِ نِزالٍ ولَيسَ يَوْمُ نِزالِ

رَجُلٌ طِينُهُ منَ العَنبَرِ الوَرْ … دِ وطينُ العِبادِ مِنْ صَلْصَالِ

فَبَقِيّاتُ طِينِهِ لاقَتِ المَا … ءَ فَصارَتْ عُذوبَةً في الزُّلالِ

وبَقايا وقارِهِ عافَتِ النّا … سَ فصارَتْ رَكانَةً في الجِبالِ

لَستُ ممّنْ يَغُرّهُ حُبُّكَ السِّلْـ … ـمَ وأنْ لا تَرَى شُهودَ القِتالِ

ذاكَ شيءٌ كَفاكَهُ عَيشُ شانيـ … ـكَ ذَليلاً وقِلّةُ الأشْكالِ

واغْتِفارٌ لَوْ غَيَّرَ السُّخطُ منْهُ … جُعِلَتْ هامُهُمْ نِعالَ النّعالِ

لجِيادٍ يَدْخُلْنَ في الحَرْبِ أعرا … ءً ويخرُجنَ مِن دَمٍ في جِلالِ

واسْتَعارَ الحَديدُ لَوْناً وألْقَى … لَوْنَهُ في ذَوائِبِ الأطْفالِ

أنتَ طَوراً أمَرُّ مِنْ ناقِعِ السّمّ … وطَوْراً أحْلى مِنَ السّلْسالِ

إنّما النّاسُ حَيثُ أنْتَ وما النّا … سُ بناسٍ في مَوْضِعٍ منكَ خالِ