سرب محاسنه حرمت ذواتها – المتنبي

سِرْبٌ مَحاسِنُهُ حُرِمتُ ذَوَاتِها … داني الصّفاتِ بَعيدُ مَوْصوفاتِهَا

أوْفَى فكُنْتُ إذا رَمَيْتُ بمُقلَتي … بَشَراً رأيتُ أرَقَّ مِن عَبَراتِهَا

يَسْتَاقُ عيسَهُمُ أنيني خَلفَها … تَتَوَهّمُ الزّفَراتِ زَجرَ حُداتِهَا

وكأنّها شَجَرٌ بَدَتْ لَكِنّهَا … شَجَرٌ جَنَيتُ الموْتَ من ثمَراتِهَا

لا سِرْتِ مِن إبلٍ لوَانّي فَوْقَها … لمَحَتْ حرارَةُ مَدمَعيّ سِماتِهَا

وحمَلتُ ما حُمّلتِ من هذي المَها … وحَملتِ ما حُمّلتُ من حسراتِها

إنّي على شَغَفي بِما في خُمْرِها … لأعِفُّ عَمّا في سَرابِيلاتِهَا

وتَرَى المُرُوّةَ والفُتُوّةَ والأبُوّ … ةَ فيّ كُلُّ مَليحَةٍ ضَرّاتِهَا

هُنّ الثّلاثُ المانِعاتي لَذّتي … في خَلْوَتي لا الخَوْفُ من تَبِعاتِهَا

ومَطالِبٍ فيها الهَلاكُ أتَيْتُها … ثَبْتَ الجَنانِ كأنّني لم آتِهَا

ومَقانِبٍ بمَقانِبٍ غادَرْتُهَا … أقْوَاتَ وَحْشٍ كُنّ من أقواتِهَا

أقْبَلْتُها غُرَرَ الجِيادِ كأنّما … أيْدي بَني عِمرانَ في جَبَهاتِهَا

ألثّابِتينَ فُرُوسَةً كَجُلُودِها … في ظَهْرِها والطّعنُ في لَبّاتِهَا

ألعارِفِينَ بها كَما عَرَفَتْهُمُ … والرّاكِبِينَ جُدودُهُمْ أُمّاتِهَا

فكأنّما نُتِجَتْ قِياماً تَحْتَهُمُ … وكأنّهُمْ وُلِدوا على صَهَواتِهَا

إنّ الكِرامَ بِلا كِرامٍ مِنْهُمُ … مِثْلُ القُلوبِ بلا سُوَيداواتِهَا

تِلْكَ النّفُوسُ الغالِباتُ على العُلى … والمَجْدُ يَغْلِبُها على شَهَواتِهَا

سُقِيتْ مَنابتُها التي سقَتِ الوَرَى … بنَدَى أبي أيّوبَ خيرِ نَبَاتِهَا

لَيسَ التّعَجّبُ من مَواهِبِ مالِه … بَلْ مِنْ سَلامَتِها إلى أوْقاتِهَا

عَجَباً لهُ حَفِظَ العِنانَ بأُنْمُلٍ … ما حِفْظُها الأشياءَ مِنْ عاداتِهَا

لوْ مرّ يَرْكضُ في سُطورِ كتابَةٍ … أحْصَى بحافِرِ مُهْرِهِ مِيماتِهَا

يَضَعُ السّنانَ بحيثُ شاءَ مُجاوِلاً … حتى مِنَ الآذانِ في أخْراتِهَا

تَكْبو وراءَكَ يابنَ أحمدَ قُرَّحٌ … لَيْسَتْ قَوائِمُهُنّ مِنْ آلاتِهَا

رِعَدُ الفَوارِسِ مِنكَ في أبْدانِها … أجرَى من العَسَلانِ في قَنَواتِهَا

لا خَلْقَ أسمَحُ منكَ إلاّ عارِفٌ … بك راءَ نَفسَكَ لم يقلْ لك هاتِهَا

غَلِتَ الذي حَسَبَ العُشورَ بآيَةٍ … تَرْتيلُكَ السُّوراتِ مِنْ آياتِهَا

كَرَمٌ تَبَيّنَ في كَلامِكَ مَاثِلاً … ويَبِينُ عِتْقُ الخَيلِ في أصواتِهَا

أعْيَا زَوالُكَ عَن مَحَلٍّ نِلْتَهُ … لا تَخْرُجُ الأقمارُ عن هالاتِهَا

لا نَعذُلُ المرَضَ الذي بك شائِقٌ … أنتَ الرّجالَ وشائِقٌ عِلاّتِهَا

فإذا نَوَتْ سَفَراً إلَيْكَ سَبَقْنَها … فأضَفْتَ قَبلَ مُضافِهَا حالاتِهَا

ومَنازِلُ الحُمّى الجُسومُ فقُلْ لنا … ما عُذرُها في تَرْكِها خَيراتِهَا

أعْجَبْتَها شَرَفاً فَطالَ وُقُوفُها … لِتأمُّلِ الأعضاءِ لا لأذاتِهَا

وبَذَلْتَ ما عَشِقَتْهُ نَفسُك كلّه … حتى بذَلْتَ لهَذِهِ صِحّاتِهَا

حقُّ الكواكبِ أن تعودَكَ من عَلٍ … وتَعُودَكَ الآسادُ مِنْ غاباتِهَا

والجِنُّ من سُتَراتِها والوَحشُ من … فَلَواتِها والطّيرُ منْ وُكَناتِهَا

ذُكرَ الأنامُ لَنا فكانَ قَصيدَةً … كُنتَ البَديعَ الفَرْدَ مِنْ أبياتِهَا

في النّاسِ أمثِلَةٌ تَدورُ حَياتُها … كَمماتِها ومَماتُها كَحَياتِهَا

فاليَوْمَ صِرْتُ إلى الذي لوْ أنّهُ … مَلَكَ البَرِيّةَ لاستَقَلّ هِباتِهَا

مُستَرْخَصٌ نَظَرٌ إلَيهِ بما بهِ … نَظَرَتْ وعَثْرَةُ رِجْلِهِ بدِياتِهَا