دُموعُ الفجرِ هذي أم دموعي – مصطفى صادق الرافعي
دُموعُ الفجرِ هذي أم دموعي … ترقرقُ بينَ أجفانِ الربيعِ
مصفقةً كصافيةٍ جلالها … باكؤسِهِ الخليلُ على الخليعِ
وهُنَّ من الأزاهرِ في شفاه … كما تحلو اللمى بعدَ الهجوعِ
وثديُ الروض درَّ على جناهُ … درورَ المرضعاتِ على الرضيعِ
ومدَّ الليلُ أنفاساً عِذاباً … كأنفاسِ المليحةِ للضجيعِ
ولاحَ الصبحُ يسفرُ عن جبينٍ … عليهِ الشمسُ حالية السطوعِ
وقد بكرتْ لتملأ جرتيها … فتاةُ الريفِ كالرشاء المروعِ
فورَّدتِ الطبيعة وجنتيها … ونضَّرَ وجهَها الحسن الطبيعي
تروحُ وتغتدي والزهرُ يرنو … إليها في الذهاب وفي الرجوعِ
وثغرُ النهرِ يبسِمُ عن لُماها … وإن لم تشفِ ريقتهُ ولوعي
وتخبرنا النسائمُ عن شذاها … كما تروي الهواجرُ عن ضلوعي
مكحلةٌ ولا كحلٌ ولكن … سلِ الظبيَّاتِِ عن ذاك الصنيعِ
وقد مدَّت حواجبها شراكاً … وطيرُ الروحِ دانيةُ الوقوعِ
أراها أن تكنفها حسانٌ … كنورِ الكهرباءةِ في الشموعِ
وتحجبُ حينَ تُخفى الشمس لكنْ … تسابق أختها عند الطلوعِ
فيا قلبُ اعصِ كلَّ هوىً سواها … ويا نفسي سواها لا تطيعي
فذاكَ الحسنُ لا ما تشتريهِ … ضرائرها من الحسنِ المبيعِ
وما تحوي المدائنُ غيرَ بدعٍ … وإن حسبوا التبدعَ كالبديعِ
فقد حسِنتْ هناكَ كلُّ أنثى … كأنَّ الحسنَ قُسِّمَ في الجميعِ
يُدَمِّمنَ الخدودَ وأيُّ عينٍ … تُحِبُ الخدَّ يصبغُ بالنجيعِ
وكم شفعن ذاكَ الحسنَ لكنْ … متى احتاجَ الغواني للشفيعِ
وهل تقفُ القلوبُ على قوامٍ … كأنَّ ذيولهُ قِطَعُ القلوعِ
فما لي والمدائنُ ما تراها … مدافنُ ما بهنَّ سوى صريعِ
وهل كان التمدنُ في بنيهِ … سوى ما يفعلونَ من الفظيعِ
وهل أبصرتَ بينَ القومِ طرّاً … سوى رجلٍ مضاعٍ أو مُضيعِ
فهذا باتَ في شبعٍ وريٍّ … وذلكَ مات من ظمإٍ وجوعِ
وأحلى من أولئكَ في عيوني … بأرياف القرى نظرُ القطيعِ
وإنَّ الأمرَ تمضيهِ فتاةٌ … لخيرٌ من فتىً غيرُ جزوعِ
وما شظفُ المعيشةِ في هناءٍ … تقرُّ بهِ سوى العيش المريعِ
فلو مزجوا ببعض الهمِّ ماءً … لصارَ الماءُ كالسمِّ النقيعِ
ولو أن الرواسيَ كنَّ تبراً … لما كان الغنى غيرُ القنوعِ
أرى ذا الليلَ قدْ خفقت حشاهُ … وبيَّضَ عينهُ نزفُ الدموعِ
أكبَ يرى لهُ كبداً تنزى … زجاجتها منوعةُ الصدوعِ
وأبصرَ بعدَ ذلكَ من قريبٍ … جيوشَ الصبحِ تمرحُ في الربوعِ
فخلَّى ما تملَّكَهُ وولَّى … كما فرقَ الجبانُ من الجموعِ
وكنتُ مخبأً في جانبيهِ … فيا شمسسُ اكتميني أو أذيعي