حسٌّ يفرقُ والأرواحُ تتحدُ – محيي الدين بن عربي

حسٌّ يفرقُ والأرواحُ تتحدُ … أنا الفقير وأنت السيد الصمدُ

أنت الذي بجمالِ الكون ينفرد … وأنتَ أيضاً بذاتِ العينِ تتحدُ

فليسَ يبقى لعينِ الاتحادِ بنا … في كوننا كثرة ٌ تبدو ولا عددُ

العلمُ يشهدُ أنَّ الأمرَ واحدة ٌ … كما أتتك به الآياتُ فاتئدوا

لو كلف الخلقُ ما عاشوا عبادته … من غير حدّ لما ملوا وما عبدوا

تغلي من أجلي أجفاني لنارِ هوى … بالقلبِ من داخل الأحشاء تتقدُ

لله قومٌ بتركِ الاقتداء شقوا … وآخرون بترك الاقتدا سعدوا

الحقُّ أبلجُ ما يخفى على أحدٍ … وقد تنازع فيه النسر والأسد

عليهِ أجمعَ أهلُ الأرضِ كلهمْ … عقلاً وشرعاً فما يرمى به أحد

من أعجب الأمر فيهم ما أفوه به … همُ المقرونَ بالأمرِ الذي جحدوا

وإنما اختلفت فيه مقاصدهم … فنعمَ ما قصدوا وبئسَ ما وجدوا

إلا إمامٌ بعينِ الشرعِ أدركهُ … له الإصابة ُ نعمَ الركنُ والسند

هوَ الكريمُ فما تُحصى مواهبهُ … من العطايا ومنه الجودُ والرفد

لما توهمَ أن الأمر مغلطة ٌ … عقلُ المنازعُ تاهَ العقلُ فاستندوا

إلى الشريعة ِ لا تلوي على نظرٍ … منَ العيونِ التي أصابها الرمدُ

لو أنها شفيتْ مما بها نظرتْ … يعطي العلومَ بسيرِ الكوكبِ الرصدُ

وإنَّ ربك بالمرصادِ فازدجروا … يدري بذلك سبَّاقٌ ومقتصد

ترنو إليك عيونٌ ما لها بصر … لما تمكَّنَ منها الغلُّ والحسدُ

وذاك حين رأت كشفاً قد اختلفت … عليه عند ذوي ألبابه الجدد

فقال شخص بما الثاني يقابله … وكلهمْ ناظرٌ في اللهِ مجتهدُ

منوَّع في التجلي حكمه أبدا … ما ثم روحٌ تراه ما له جسد

فلو تجلى إلى الاسرار كان له … حكم يخالف هذا ما له أمد

وإنما يتجلى في بصائرنا … فيحكمُ الوهمُ فيه بالذي يجدُ

وقتاً ينزهه وقتاً يشبهه … وقتا يمثله جسما ويعتقد

إنَّ الحديثَ على ما قدْ تخيلهُ … وقد تحكم فيه الغيُّ والرشد

سبحانه وتعالى أنْ تراه على … ما قد رأى نفسه فإنه الأحد

والواحد الحقُّ لا غير يشفعه … والغيرُ ما ثمَّ فاسترهُ إذا يردُ

لو كان لي نظر في ما نظرت … عيني إليه به ما ضمني البلد

هوَ الأمينُ الذي آلى بهِ قسماً … في حقِّ منْ لمْ يكنْ لكونهِ أمدُ

لو انتفى الأزل المعلومُ عنه كما … عنه انتفى إذ نفاه الحال والبلد