بِأَبي وَروحي الناعِماتِ الغيدا – أحمد شوقي

بِأَبي وَروحي الناعِماتِ الغيدا … الباسِماتِ عَنِ اليَتيمِ نَضيدَا

الرانِياتِ بِكُلِّ أَحوَرَ فاتِرٍ … يَذُرُ الخَلِيَّ مِنَ القُلوبِ عَميدا

الراوِياتِ مِنَ السُلافِ مَحاجِرًا … الناهِلاتِ سَوالِفًا وَخُدودا

اللاعِباتِ عَلى النَسيمِ غَدائِرًا … الراتِعاتِ مَعَ النَسيمِ قُدودا

أَقبَلنَ في ذَهَبِ الأَصيلِ وَوَشيِهِ … مِلءَ الغَلائِلِ لُؤلُؤًا وَفَريدا

يَحدِجنَ بِالحَدقِ الحَواسِدِ دُميَةً … كَظِباءِ وَجرَةَ مُقلَتَينِ وَجيدا

حَوَتِ الجَمالَ فَلَو ذَهَبتَ تَزيدُها … في الوَهمِ حُسنًا ما استَطَعتَ مَزيدا

لَو مَرَّ بِالوِلدانِ طَيفُ جَمالِها … في الخُلدِ خَرّوا رُكَّعًا وَسُجودا

أَشهى مِنَ العودِ المُرَنَّمِ مَنطِقًا … وَأَلَذُّ مِن أَوتارِهِ تَغريدا

لَو كُنتَ مُطلِقَ السُجَناءِ لَم … تُطلِق لِساحِرِ طَرفِها مَصفودا

ما قَصَّرَ الرُؤَساءُ عَنهُ سَعى لَهُ … سَعدٌ فَكانَ مُوَفَّقًا وَرَشيدا

يا مِصرُ أَشبالُ العَرينِ تَرَعرَعَت … وَمَشَت إِلَيكِ مِنَ السُجونِ أُسودا

قاضى السِياسَةِ نالَهُمْ بِعِقابِهِ … خَشِنَ الحُكومَةِ في الشَبابِ عَتيدا

أَتَتِ الحَوادِثُ دون عَقدِ قَضائِهِ … فَانهارَ بَيِّنَةً وَدُكَّ شَهيدا

تَقضي السِياسَةُ غَيرَ مالِكَةٍ لِما … حَكَمَت بِهِ نَقضًا وَلا تَوكيدا

قالوا أَتَنظُمُ لِلشَبابِ تَحِيَّةً … تَبقى عَلى جيدِ الزَمانِ قَصيدا

قُلتُ الشَبابُ أَتَمُّ عِقدَ مَآثِرٍ … مِن أَن أَزيدَهُمُ الثَناءَ عُقودا

قَبِلَت جُهودَهُمُ البِلادُ وَقَبَّلَت … تاجًا عَلى هاماتِهِمْ مَعقودا

خَرَجوا فَما مَدّوا حَناجِرَهُمْ وَلا … مَنّوا عَلى أَوطانِهِمْ مَجهودا

خَفِيَ الأَساسُ عَنِ العُيونِ تَواضُعًا … مِن بَعدِ ما رَفَعَ البِناءَ مَشيدا

ما كانَ أَفطَنَهُمْ لِكُلُّ خَديعَةٍ … وَلِكُلِّ شَرٍّ بِالبِلادِ أُريدا

لَمّا بَنى اللَهُ القَضِيَّةَ مِنهُمُ … قامَت عَلى الحَقِّ المُبينِ عَمودا

جادوا بِأَيّامِ الشَبابِ وَأَوشَكوا … يَتَجاوَزونَ إِلى الحَياةِ الجودا

طَلَبوا الجَلاءَ عَلى الجِهادِ مَثوبَةً … لَم يَطلُبوا أَجرَ الجِهادِ زَهيدا

وَاللَهِ ما دونَ الجَلاءِ وَيَومِهِ … يَومٌ تُسَمّيهِ الكِنانَةُ عيدا

وَجَدَ السَجينُ يَدًا تُحَطِّمُ قَيدَهُ … مَن ذا يُحَطِّمُ لِلبِلادِ قُيودا

رَبِحَت مِنَ التَصريحِ أَنَّ قُيودَها … قَد صِرنَ مِن ذَهَبٍ وَكُنَّ حَديدا

أَوَ ما تَرونَ عَلى المَنابِعِ عُدَّةً … لا تَنجَلي وَعَلى الضِفافِ عَديدا

يا فِتيَةَ النيلِ السَعيدِ خُذوا المَدى … وَاستَأنِفوا نَفَسَ الجِهادِ مَديدا

وَتَنَكَّبوا العُدوانَ وَاجتَنِبوا الأَذى … وَقِفوا بِمِصرَ المَوقِفَ المَحمودا

الأَرضُ أَليَقُ مَنزِلًا بِجَماعَةٍ … يَبغونَ أَسبابَ السَماءِ قُعودا

أَنتُم غَدًا أَهلُ الأُمورِ وَإِنَّما … كُنّا عَلَيكُم في الأُمورِ وُفودا

فَابنوا عَلى أُسُسِ الزَمانِ وَروحِهِ … رُكنَ الحَضارَةِ باذِخًا وَشَديدا

الهَدمُ أَجمَلُ مِن بِنايَةِ مُصلِحٍ … يَبني عَلى الأُسُسِ العِتاقِ جَديدا

وَجهُ الكِنانَةِ لَيسَ يُغضِبُ رَبَّكُمْ … أَن تَجعَلوهُ كَوَجهِهِ مَعبودا

وَلّوا إِلَيهِ في الدُروسِ وُجوهَكُمْ … وَإِذا فَرَغتُمُ وَاعبُدوهُ هُجودا

إِنَّ الَّذي قَسَمَ البِلادَ حَباكُمُ … بَلَدًا كَأَوطانِ النُجومِ مَجيدا

قَد كانَ وَالدُنيا لُحودٌ كُلُّها … لِلعَبقَرِيَّةِ وَالفُنونِ مُهودا

مَجدُ الأُمورِ زَوالُهُ في زَلَّةٍ … لا تَرجُ لِاسمِكَ بِالأُمورِ خُلودا

الفَردُ بِالشورى وَبِاسمِ نَدِيِّها … لُفِظَ الخَليفَةُ في الظَلامِ شَريدا

خَلَعَتهُ دونَ المُسلِمينَ عِصابَةٌ … لَم يَجعَلوا لِلمُسلِمينَ وُجودا

يَقضونَ ذَلِكَ عَن سَوادٍ غافِلٍ … خُلِقَ السَوادُ مُضَلَّلًا وَمَسودا

جَعَلوا مَشيئَتَهُ الغَبِيَّةَ سُلَّمًا … نَحوَ الأُمورِ لِمَن أَرادَ صُعودا

إِنّي نَظَرتُ إِلى الشُعوبِ فَلَم أَجِد … كَالجَهلِ داءً لِلشُعوبِ مُبيدا

الجَهلُ لا يَلِدُ الحَياةَ مَواتُهُ … إِلّا كَما تَلِدُ الرِمامُ الدودا

لَم يَخلُ مِن صُوَرِ الحَياةِ وَإِنَّما … أَخطاهُ عُنصُرُها فَماتَ وَليدا

وَإِذا سَبى الفَردُ المُسَلَّطُ مَجلِسًا … أَلفَيتَ أَحرارَ الرِجالِ عَبيدا

وَرَأَيتَ في صَدرِ النَدِيِّ مُنَوَّمًا … في عُصبَةٍ يَتَحَرَّكونَ رُقودا

الحَقُّ سَهمٌ لا تَرِشهُ بِباطِلٍ … ما كانَ سَهمُ المُبطِلينَ سَديدا

وَالعَب بِغَيرِ سِلاحِهِ فَلَرُبَّما … قَتَلَ الرِجالَ سِلاحُهُ مَردودا