إنما التهنئات للأكفاء – المتنبي

إنّمَا التّهْنِئَاتُ لِلأكْفَاءِ … ولمَنْ يَدَّني مِنَ البُعَدَاءِ

وَأنَا مِنْكَ لا يُهَنّىءُ عُضْوٌ … بالمَسَرّاتِ سائِرَ الأعْضَاءِ

مُسْتَقِلٌّ لَكَ الدّيَارَ وَلَوْ كَا … نَ نُجُوماً آجُرُّ هَذا البِنَاءِ

وَلَوَ انّ الذي يَخِرّ مِنَ الأمْـ … ـوَاهِ فيهَا مِنْ فِضّةٍ بَيضَاءِ

أنْتَ أعلى مَحَلّةً أنْ تُهَنّا … بمَكانٍ في الأرْضِ أوْ في السّماءِ

وَلَكَ النّاسُ وَالبِلادُ وَمَا يَسْـ … ـرَحُ بَينَ الغَبراءِ وَالخَضرَاءِ

وَبَساتينُكَ الجِيادُ وَمَا تَحْـ … ـمِلُ مِنْ سَمْهَرِيّةٍ سَمْرَاءِ

إنّمَا يَفْخَرُ الكَريمُ أبُو المِسْـ … ـكِ بِمَا يَبْتَني مِنَ العَلْياءِ

وَبأيّامِهِ التي انسَلَخَتْ عَنْـ … ـهُ وَمَا دارُهُ سِوَى الهَيجاءِ

وَبِمَا أثّرَتْ صَوَارِمُهُ البِيـ … ـضُ لَهُ في جَمَاجِمِ الأعْداءِ

وَبمسْكٍ يُكْنى بهِ لَيسَ بالمِسْـ … ـكِ وَلَكِنّهُ أرِيجُ الثّنَاءِ

لا بمَا يَبتَني الحَواضرُ في الرّيـ … ـفِ وَمَا يَطّبي قُلُوبَ النّساءِ

نَزَلَتْ إذْ نَزَلْتَهَا الدّارُ في أحْـ … ـسَنَ منها مِنَ السّنى وَالسّنَاءِ

حَلّ في مَنْبِتِ الرّياحينِ مِنْهَا … مَنْبِتُ المَكْرُماتِ وَالآلاءِ

تَفضَحُ الشّمسَ كلّما ذرّتِ الشمـ … ـسُ بشَمْسٍ مُنيرَةٍ سَوْداءِ

إنّ في ثَوْبِكَ الذي المَجْدُ فيهِ … لَضِيَاءً يُزْري بكُلّ ضِيَاءِ

إنّما الجِلدُ مَلبَسٌ وَابيضَاضُ الـ … ـنّفسِ خَيرٌ من ابيضَاضِ القَبَاءِ

كَرَمٌ في شَجَاعَةٍ وَذَكَاءٌ … في بَهَاءٍ وَقُدْرَةٌ في وَفَاءِ

مَن لبِيضِ المُلُوكِ أن تُبدِلَ اللوْ … نَ بلَوْنِ الأستاذِ وَالسّحْنَاءِ

فَتَرَاهَا بَنُو الحُرُوبِ بأعْيَا … نٍ تَرَاهُ بها غَداةَ اللّقَاءِ

يا رَجاءَ العُيُونِ في كلّ أرْضٍ … لم يكُنْ غيرَ أنْ أرَاكَ رَجَائي

وَلَقَدْ أفْنَتِ المَفَاوِزُ خَيْلي … قَبلَ أنْ نَلتَقي وَزَادي وَمَائي

فَارْمِ بي ما أرَدْتَ مني فإنّي … أسَدُ القَلْبِ آدَميُّ الرُّوَاءِ

وَفُؤادي مِنَ المُلُوكِ وَإن كا … نَ لِساني يُرَى منَ الشّعراءِ