أهدى النسيم لنا ريا الرياحين – عماد الدين الأصبهاني
أهدى النسيم لنا ريا الرياحين ... أم طيب أخلاق جيراني بجيرون
هبت لنا نفحة في جلق سحرا ... باحت بسر من الفردوس مكنون
وفاح بالعرف من أرجائها أرج ... نال المسرة منه كل محزون
هبت تنبه أطرافي وتبعثها ... مني وتوجب للتهويم تهويني
وما درينا أداريا لنا أرجت ... أم دار في دارنا عطار دارين
نسري ونرتاح الاستنشاء رائحة ... هبت سحيرا على ورد ونسرين
ورب هم فقدناه بربوتها ... ورب قلب أصبناه بقلبين
لولا جسارة قلبي ما ثبت على العبور ... من طرب من جسر جسرين
دمشق عندي لا تحصى فضائلها ... عدا وحصرا ويحصى رمل يبرين
وما أرى بلدة أخرى تماثلها ... في الحسن من مصر حتى منتهى الصين
في كل قطر بها وكر لمنكسر ... ومسكن غير مملول لمسكين
وإن من باع كل العمر مقتنعا ... بساعة في ذراها غير مغبون
لما علت همتي صيرتها وطني ... وليس يقنع غير الدون بالدون
يصيبك ميطورها طورا ونيربها ... طورا وتوليك إحسانا بتحسين
ترى جواسقها في الجو شاهقة ... كأنهن قصور للسلاطين
دار النعيم ومن أدنى محاسنها ... ثمار تموز في أيام كانون
نعيمها غير ممنوع لساكنها ... كالخلد والمن فيها غير ممنون
كأنما هي للأبرار قد فتحت ... من الفراديس أبواب البساتين
أزهارها أبدا في الروض مونقة ... فحسن نسيان موصول بتشرين
وأي عين إليها غير ناظرة ... وأي قلب عليها غير مفتون
أهوى مقري بمقرى والرياض بها ... للزهر ما بين تفويف وتزيين
هاجت بلابل قلبي المستهام بها ... بلابل اليك غنتنا بتلحين
تتلو بسطرى أساطير الغرام على ... صوامع الدوح ورق كالرهابين
قمريها مقريء يشدو بنغمته ... آيا تعلمها من غير تلقين
وللحمائم في الأسحار أدعية ... مرفوعة شفعت منا بتأمين
خافت على الروض من عين مطوقة ... أضحت تعوذه منها بياسين
من كل مطرب صوت غير مضطرب ... وكل معرب لفظ غير ملحون
وللبساتين أنهار جداولها ... تستن في الجري أمثال الثعابين
وقد تراءت بها الأشجار تحسبها ... صفوف خيل صفون في الميادين
كأنها شجر الرمان ذو نشب ... مثر دنانيره ملء الهمابين
وللخلاف لإظهار الخلاف على ... أترابه ورق شبه السكاكين
وكل غصن بعصف الريح ممتحن ... كأنه عاقل مبلى بمجنون
للأقحوان ثغور الغانيات كما ... للنرجس الغض الحاظ المها العين
وللبنفسج خال للعذار إذا ... ما الخط بالخال حاكى عطفة النون
والورد خد من التوريد في خجل ... والغصن قد تثنيه من اللين
وللنسيم ولوع بالغدير فما ... يزال ما بين تفريك وتغضين
والماء من نكبة النكباء في زرد ... مضاعف السرد ضافي النسج موضون
لكل جارية في كل ساقية ... على التواء بها إسراع تنين
إن القلوب وألحاظ الحسان بها ... لكالعصافير في أيدي الشواهين
من كل خاطفة للقلب مخطفة ... بالخصر تمطلني ديني وتكويني
من شاذن متثني العطف معتدل القوام ... مستعذب الأخلاق موزون
يا صاحبي أفيقا فالزمان صحا ... ولان من بعد تشديد وتخشين
حرستما في حرستا العيش من شظف ... دوما بدوما على حفظ القوانين
دار المقامة قد أضحت محلكما ... ونلتما العز في أمن من الهون
وبالمنيبع ربع للولي غدا ... تأسيس بنيانه العالي على الدين
لا يوجد تعليقات حالياً