بلغت بالجد ما لا يبلغ البشر – عماد الدين الأصبهاني

بلغت بالجد ما لا يبلغ البشر … ونلت ما عجزت عن نيله القدر

يهتدي للذي أنت اهتديت له … ومن له مثل ما أثرته أثر

أسرت أم بسراك الأرض قد طويت … فأنت إسكندر في السير أم خضر

أوردت خيلا بأقصى النيل صادرة … عن الفرات يقاضي وردها الصدر

تناقلت ذكرك الدنيا فليس لها … ألا حديثك ما بين الورى سمر

فأنت من زانت الأيام سيرته … وزاد فوق الذي جاءت به السير

لو في زمان رسول الله كنت أتت … في هذه السيرة المحمودة السور

أصبحت بالعدل والإقدام منفردا … فقل لنا أعلي أنت أم عمر

إسكندر ذكروا أخبار حكمته … ونحن فيك رأينا كل ما ذكروا

ورستم خبرونا عن شجاعته … وصار فيك عيانا ذلك الخبر

إفخر فإن ملوك الأرض أذهلهم … ما قد فعلت فكل فيك مفتكر

سهرت إذ رقدوا بل هجت إذ سكنوا … وصلت إذ جبنوا بل طلت إذ قصروا

يستعظمون الذي أدركته عجبا … وذاك في جنب ما نرجوه محتقر

قضى القضاء بما نرجوه عن كثب … حتما ووافقك التوفيق والقدر

شكت خيولك إدمان السرى وشكت … من فلها البيض بل من حطمها السمر

يسرت فتح بلاد كان أيسرها … لغير رأيك قفلا فتحه عسر

قرنت بالحزم منك العزم فاتسقت … مآرب لك عنها أسفر السفر

ومن يكون بنور الدين مهتديا … في أمره كيف لا يقوى له المرر

يرى برأيك ما في الملك يبرمه … فأنت منه بحيث السمع والبصر

لقد بغت فئة الإفرنج فانتصفت … منها فإقدامك الهندية البتر

غرست في أرض مصر من جسومهم … أشجار خط لها من هامهم ثمر

وسال بحر نجيع في مقام وغى … به الحديد غمام والدم المطر

أنهرت منهم دماء بالصعيد جرى … منها إلى النيل في واديهم نهر

رأوا إليك عبور النيل إذ عدموا … نصرا فما عبروا حتى اعتبروا

تحت الصوارم هام المشركين كما … تحت الصوالج يوما خفت الأكر

أفنت سيوفك من لاقت فإن تركت … قوما فهم نفر من قبلها نفروا

لم ينج إلا الذي عافته من خبث … وحش الفلا وهو للمحذور منتظر

والساكنون القصور القاهرية قد … نادى القصور عليهم أنهم قهروا

وشاور شاوروه في مكائدهم … فكاده الكيد لما خانه الحذر

كانوا من الرعب موتى في جلودهم … وحين أمنتهم من خوفهم نشروا

وإن من شيركوه الشرك منخزل … والكفر منخذل والدين منتصر

عول على فئة عند اللقاء وفت … وعد عن تركمان قبله غدروا

وكيف يخذل جيش أنت مالكه … والقائدان له التأييد والظفر

أجاب فيك إله الخلق دعوة من … يطيب بالليل من أنفاسه السحر