أقل فعالي بله أكثره مجد – المتنبي
أقَلُّ فَعَالي بَلْهَ أكْثَرَهُ مَجْدُ … وذا الجِدُّ فيهِ نِلْتُ أم لم أنَلْ جَدُّ
سأطْلُبُ حَقّي بالقَنَا ومَشايخٍ … كأنّهُمُ من طولِ ما التَثَموا مُرْدُ
ثِقالٍ إذا لاقَوْا خِفافٍ إذا دُعُوا … كَثيرٍ إذا اشتَدّوا قَليلٍ إذا عُدّوا
وطعْنٍ كأنّ الطّعنَ لا طَعنَ عندَهُ … وضرْبٍ كأنّ النّارَ من حرّهِ بَرْدُ
إذا شِئتُ حَفّتْ بي على كلّ سابحٍ … رِجالٌ كأنّ المَوْتَ في فَمِها شَهْدُ
أذُمّ إلى هذا الزّمانِ أُهَيْلَهُ … فأعْلَمُهُمْ فَدْمٌ وأحزَمُهمْ وَغْدُ
وأكرَمُهُمْ كَلْبٌ وأبصرُهُمْ عمٍ … وأسهَدُهُمْ فَهدٌ وأشجَعُهم قِرْدُ
ومن نَكَدِ الدّنْيا على الحُرّ أنْ يَرَى … عَدُوّاً لَهُ ما من صَداقَتِهِ بُدُّ
بِقَلْبِي وإنْ لم أرْوَ منها مَلالَةٌ … وبي عن غَوانيها وإن وَصَلتْ صَدُّ
خَليلايَ دونَ النّاسِ حُزْنٌ وعَبرةٌ … على فَقْدِ مَن أحبَبتُ ما لهُما فَقْدُ
تَلَجُّ دُمُوعي بالجُفونِ كأنّما … جُفُوني لعَيْنيْ كلِّ باكِيَةٍ خَدُّ
وإنّي لتُغْنيني مِنَ الماءِ نُغْبَةٌ … وأصبرُ عَنْهُ مثلَما تَصبرُ الرُّبْدُ
وأمضي كما يَمضي السّنانُ لِطِيّتي … وأطوَى كما تَطوَى المُجَلِّحةُ العُقدُ
وأُكْبِرُ نَفسي عَن جَزاءٍ بغِيبَةٍ … وكلُّ اغتِيابٍ جُهدُ مَن ما لَه جُهدُ
وأرْحَمُ أقواماً منَ العِيّ والغَبَى … وأعْذِرُ في بُغضِي لأنّهُمُ ضدُّ
ويَمْنَعُني ممّن سوَى ابنِ محمّدٍ … أيادٍ لهُ عندي تَضيقُ بهَا عِنْدُ
تَوالى بلا وَعْدٍ ولَكِنّ قَبْلَها … شَمائِلَهُ من غَيرِ وَعْدٍ بها وَعْدُ
سرَى السّيفُ ممّا تَطبعُ الهندُ صاحبي … إلى السّيفِ ممّا يطبَعُ الله لا الهِنْدُ
فَلَمّا رآني مُقْبِلاً هَزّ نَفْسَهُ … إليّ حُسامٌ كلُّ صَفْحٍ لهُ حَدُّ
فلم أرَ قَبلي مَن مَشَى البحرُ نحوَهُ … ولا رَجُلاً قامَتْ تُعانِقُهُ الأُسْدُ
كأنّ القِسِيّ العاصِياتِ تُطيعُهُ … هَوًى أو بها في غيرِ أُنْمُلِهِ زُهْدُ
يكادُ يُصيبُ الشيءَ من قَبلِ رَمْيِهِ … ويُمْكِنُهُ في سَهْمِهِ المُرْسَلِ الرّدُّ
ويُنْفِذُهُ في العَقْدِ وهْوَ مُضَيَّقٌ … من الشّعرَةِ السّوداءِ واللّيلُ مُسوَدُّ
بنَفسي الذي لا يُزْدَهَى بخَديعَةٍ … وإنْ كَثُرَتْ فيها الذّرائعُ والقَصْدُ
ومَنْ بُعدُهُ فَقْرٌ ومَن قُرْبُهُ غنًى … ومَنْ عِرْضُهُ حُرٌّ ومَن مالُهُ عَبْدُ
ويَصْطَنِعُ المَعْرُوفَ مُبْتَدِئاً بهِ … ويَمْنَعُهُ من كلّ مَن ذمُّهُ حَمدُ
ويَحْتَقِرُ الحُسّادَ عن ذِكْرِهِ لهُمْ … كأنّهُمُ في الخَلقِ ما خُلِقوا بَعدُ
وتأمَنُهُ الأعداءُ منْ غيرِ ذِلّةٍ … ولكن على قَدْرِ الذي يُذنبُ الحِقدُ
فإنْ يَكُ سيّارُ بنُ مُكرَمٍ انقَضَى … فإنّكَ ماءُ الوَرْدِ إنْ ذهبَ الوَرْدُ
مَضَى وبَنُوهُ وانْفَرَدْتَ بفَضْلِهِمْ … وألفٌ إذا ما جُمّعَتْ واحِدٌ فَرْدُ
لَهُمْ أوْجُهٌ غُرٌّ وأيْدٍ كريمَةٌ … ومَعْرِفَةٌ عِدٌّ وألْسِنَةٌ لُدُّ
وأرْدِيَةٌ خُضْرٌ ومُلْكٌ مُطاعَةٌ … ومَركوزَةٌ سُمْرٌ ومُقرَبَةٌ جُرْدُ
وما عِشْتَ ما ماتُوا ولا أبَواهُمُ … تَميمُ بنُ مُرٍّ وابنُ طابخَةٍ أُدُّ
فبَعضُ الذي يَبدو الذي أنا ذاكِرٌ … وبعضُ الذي يخفَى عليّ الذي يَبدو
ألُومُ بهِ مَنْ لامَني في وِدادِهِ … وحُقَّ لخَيرِ الخَلْقِ من خَيرِهِ الوُدُّ
كَذا فَتَنَحّوْا عَن عَليٍّ وطُرْقِهِ … بني اللّؤمِ حتى يَعبُرَ المَلِكُ الجَعدُ
فَما في سَجاياكُمْ مُنازَعَةُ العُلَى … ولا في طِباعِ التُّربَةِ المِسكُ وَالنَّدُّ