أعبيد يا ذات الهوى النزر – بشار بن برد
أعبيد يا ذات الهوى النزر … ثَقُلَتْ مَوَدَّتُكُمْ علَى ظَهْري
لَوْ كُنْتِ يَا عَبَّادَ صادِقَة ً … بالْحبِّ قارَبَ أمْرُكُمْ أمْري
طوقت صبراً عن زيارتنا … ويقل عن لقيانكم صبري
العين تأمل فيك قرتها … وغنًى لهَا من دَاخل الْفَقْر
أنْتِ الْمُنَى للنَّفْسِ خَالِية ً … وحديثها في العسر واليسر
فتحرجي إن كنت مؤمنة ً … باللَّه يَا عَبَّادَ من هَجْرِي
لو تعلمين بما لقيت بكم … لَفَدَيتنِي بالرَّحْمِ والصِّهْرِ
ولما بخلت بمشرب خصرٍ … من ريق أشنب طيب الثغر
جمجمت حبك لا أبوح به … سنتين في حقرٍ وفي ستر
حَتَّى إِذَا الْكِتْمانُ أوْرَثَني … سُقماً وَضَاقَ بحُبِّكُمْ صَدْري
عَنَّيْتُ نَفْساً غَيْرَ آمنَة ٍ … في غير فاحشة ٍ ولا هجر
أَشْهَى لِنَفْسِي لَوْ أثَقِّلُهَا … وَلمَا بهَا منْ لَيْلَة ِ الْقَدْر
أهذي بكم يقظان قد علموا … وَأبِيتُ منْكِ عَلى هَوَى ذِكْر
وَتَقَلَّبِين وَأنْتِ لاَهيَة ٌ … في الخز والقوهي والعطر
أعبيد هلا تذكرين فتى ً … تيمته بحديثك السحر
للموت أسبابٌ وحبكمُ … سبب لموتي محصد الشزر
وَلَقَدْ عَلِمْتُ سَبِيلَ عِلَّتكُمْ … فيمَا يَحِنُّ لِغيْرِكُمْ ظُفْرِي
ففللت كفي عن مساءتكم … فَظَلِلْتُ واضِعَهَا عَلى سَحْرِي
طمَعاً إِليْكِ بِمَا أُؤمِّلُهُ … ومخافة أن تقطعي عذري
لصريمة ٍ غلبت مواصلتي … وَموَدَّة ٍ زَادَتْ على وَفْرِي
إِنَّ الْمُحِبِّينَ الَّذِين هَفَتْ … أَحْلاَمُهُمْ لِعوَاقِدِ الْخُمْرِ
أَمَلُوا وخافُوا مِنْ حَيَاتِهمُ … وَعْراً فمَا وَأَلُو مِن الْوعْرِ
نزلوا بوادي الموت إذ عشقوا … فتتابعوا شفعاً على وتر
وكَذاكِ منْ وَادِي وَفائِهِمْ … أصبحت مجتنحاً على سفر
ماضٍ ومرتهن بدائهم … فنُفُوسُهُمْ لِلِقائِهِمْ تجْري
يا صاح لا تعجل بمعذلتي … ستبيتُ من أمري على خبر
واعْرِفْ بِقلْبِي حينَ تذْكُرُهُ … أَنْ يُسْتهامَ بِبَيْضَة ِ الْخِدْرِ
إن الهوى جثمت عقاربه … فيه جثوم الفرخ في الوكر
يوم العذارى يستطفن بها … مِثْلَ النُّجُومِ يَطُفْنَ بالْبَدْرِ
لم أنسها أصلاً وقد ركبت … شمس النهار لأرذل العمر
ودموعها مما تسر بنا … تجْرِي عَلى الْخدَّيْنِ والنَّحْر
فاغتال ذلكم وغيرهُ … عصر تناسخها إلى عصر
وبياض يومٍ بعد ليلته … دانٍ مِن الْمَعْرُوف بالنُّكْرِ
أَنْكَرْتُ ما قدْ كُنْتُ أَعْرِفُه … مِنْها سَوَى المَوْعُودِ والْغَدْرِ
والنفس دانية ٌ بملتها … مِنْها تُطِيفُ بِها ابْنة َ الدَّهر
إِنِّي لأَخْشَى مِنْ تَذَكُّرِهَا … موت الفجاءة حيثُ لا أدري
مِنْ خَفْقَة ٍ لَوْ دَامَ عَارِضُهَا … قدر الفواق وفى لها عمري
لَكِنْ تَأخَّرَ يَوْمُ مُرْتَهَن … بِوَفَاتِهِ فَوَعَا عَلَى كَسْرِ
فَلَتَنْزِلَنّ بِه التِي نَزَلَتْ … يَوْماً بِصَاحِبِ عُرْوَة َ الْعُذْرِي
فَإذَا سَمِعْتِ بِمَيِّت حَزَناً … بكر الحمام به ولم يسر
فَابْكي عَلَى قَبْرِي مُفَجَّعَة ً … وَلَقَلَّ مِنْكَ بُكًى عَلى قَبْرِي
فَاسْتَيْقِنِي أَنِّي الْمُصَابُ بِكُمُ … عجلت منيتهُ مع الزفرِ