وَارَحْمَتَا لِي مِنْ صُرُوفِ زَمَانِي – خليل مطران

وَارَحْمَتَا لِي مِنْ صُرُوفِ زَمَانِي … أَنَّى رَمَتْ سِهَامَ مَكَانِي

إِنِّي لأَسْأَلُ وَالرَّفَاقُ تَحَمَّلوا … أَتُرَى يُطِيلُ عَذَابِي المَلَوَانِ

مَنْ مُبْلِغُ السُّلْوَانِ مَقْرُوحَ الحَشَى … سُدَّتْ عَلَيْهِ مَسَالِكُ السُّلْوَانِ

مَنْعَاكَ يَا عَبْدَ العَزِيزِ أَمَضِّينِي … وَأَضَافَ أَشْجَاناً إِلَى أَشْجَانِي

فَاجَأْتَنِي بِالنَّأْيِ قَبْلَ أَوَانِهِ … هَلْ حُرْقَةٌ كَالنَّأْيِ قَبْلَ أَوَانِ

أَتَسُوءُ إِخْوَاناً مَلَكْتَ قُلُوبَهُمْ … ظَرْفاً وَكَنْتَ مَسَرَّةَ الإِخْوَانِ

رَبَّ البَيَانِ وَأَنْتَ بَالِغَ شَأْوِهِ … أَعْجَزْتَ بِالسَّبِقِ البَدِيعِ بَيَانِي

أَدَبٌ يَخَالُ مُطَالِعُو آيَاتِهِ … أَنَّ الكَلامَ مَثَالِثٌ وَمَثَانِ

فُقْتَ الَّذِينَ أَخَذْتَ عَنْهُمْ يَافِعاً … وَبَزَزْتَ مَنْ جَلُّوا مِنَ الأَقْرَانِ

هَذَا بِإِجْمَاعٍ فَمَاذَا عَارَضَتْ … دَعْوَى دَعِيٍّ مِنْ سَنَى البُرْهَانِ

لا خَيْرَ فِي زَمَنٍ إِذَا مَا طَاوَلَتْ … فِيهِ الصِّعَادُ عَوَالِي المُرَّانِ

أَحْدَثْتَ أُسْلُوباً وَكَنْتَ إِمَامَهُ … وَبَقِيتَ فَذّاً فِيهِ مَا لَكَ ثَانِ

جَمَعَ السُّهُولَةَ وَالجَزَالَةَ لَفْظُهُ … تَتَخَالَفَانِ حِلىً وَتَأْتَلِفَانِ

دِيبَاجَةٌ عَرَبِيَّةٌ مِصْرِيَّةٌ … نُقِشَتْ بِرَائِعَةٍ مِنَ الأَلْوَانِ

مَنْ لِلنَّوَادِرِ تَجْتَنِي مِنْهَا النُّهَى … مَا تَشْتَهِي مِنْ طَيِّبَاتِ مَجَانِ

مَنْ لِلبَوَادِرِ لا يَجُودُ بِمِثْلِهَا … قَبْلَ الرَّوِيَّةِ أَحْضَرُ الأَذْهَانِ

مَنْ لِلدُّعَابَةِ وَهْيَ قَدْ قَرَنَتْ إِلَى … حِلمِ الشُّيُوخِ تُرَاهَةً الشُّبَّانِ

إِنْ ثُقِّفَتْ لطُفَتْ وَفِي ضَحِكَاتِهَا … إِيمَاضُ بَرْقٍ لا انْفِضَاضُ سِنَانِ

نَهْلٌ تَسَاقَاهَا القُلُوبُ فَتَشْتَفِي … غُلَلٌ وَتُقْضَى لِلقُلُوبِ أَمَانِ

بَلَوَاتُ أَلْبَقِ كَاتِبٍ وَمُحَدِّثٍ … صَافِي البَدَاهَةِ بَارعِ التِّبْيَانِ

فِي جِدِّهِ وَمُزَاحِهِ مُتَصَرِّفٌ … بِبَرَاعَةٍ خَلاَّبَةٍ وَلِسَانِ

أَخَلا مِنَ البِشْرِيُّ عَصْرٌ لَمْ يَكُنْ … فِيهِ عَلَى ذَاكَ المِثَالِ اثْنَانِ

شَخْصٌ قَلِيلٌ ظِلُّهُ طَاوِي الحَشَى … يَمْشِي فَلا تَتَوَازَنُ الكَتِفَانِ

طَلَقُ المُحَيَّا إِذْ تَرَاهُ وَرُبَّمَا … نَمَّتْ بِكَامِنِ دَائِهِ العَيْنَانِ

حُبَّتْ مَلامِحُهُ بِمَسْحَةِ أُدْمَةٍ … هِيَ مِنْ مِنَا إِنْ شِئْتَ أَوْ عَدْنَانِ

وَبِعَارِضَيْهِ الهَابِطَيْنِ وَلِمَّةٍ … شَعْثَاءَ لَمْ تُلمَمْ مِنَ الثَّوَرَانِ

وَمَضِنَّةٍ يَطْوِي عَلَيْهَا صَدْرَهُ … وَكَأَنَّهُ أَبَداً عَلَيْهَا حَانِ

مِنْ ذَلِكَ التِّمْثَالِ لاحَتْ لِلوَرَى … آيَاتُ أَيِّ حِجىً وَأَيُّ جَنَانِ

حُسْنُ المَنَارَةِ فِي سُطُوعِ ضِيائِهَا … لا فِي زَخَارِفِهَا وَلا البُنْيَانِ

أَمَّا خَلائِقُهُ فَقُلْ مَا شِئْتَ فِي … جَمِّ المُرُوءةِ رَاسِخِ الإِيمَانِ

مَا ضَاقَ صَدْراً وَهْوَ أَصْدَقُ مُسْلِمٍ … بِتَخَالُفِ الآرَاءِ وَالأَدْيَانِ

نِعْمَ الفَتَى فِي غَيْبَةٍ أَوْ مَشْهَدٍ … نِعْمَ الفَتَى فِي السِّرِّ وَالإِعْلانِ

بِالعَدْلِ يَقْضِي فِي الحُقُوقِ وَبِالنَّدَى … يَقْضِي حُقُوقَ الأَهْلِ وَالجِيرَانِ

يَسْعَى كَأَدْأَبِ مَنْ سَعَى لِمُهِمَّةٍ … مَهْمَا يُجَشِّمُ دُونَهُ وَيُعَانِ

مُتَشَمِّراً بِغُدُّوِّهِ وَرَوَاحِهِ … عَجِلَ الخُطَى مُسْتَرْسِلَ الأَرْدَانِ

لَمْ كَانَ مَا فِي جِدِّهِ فِي جِدِّهِ … لَعَلَتْ مَكَانَتُهُ إِلَى كِيوَانِ

لَكِنَّهُ لَمْ يُلْفَ يَومْاً عَاتِباً … أَوْ طَالِباً مَا لَيْسَ فِي الإِمْكَانِ

وَرَعَى حَقِيقَةَ نَفْسِهِ وَأَجَلِّهَا … عَنْ أَنْ تُبَدَّلَ عِزَّةً بِهَوَانِ

مَا مَنْصِبٌ فَوْقَ المَنَاصِبِ أَوْ غِنًى … فَوْقَ المَطَالِبِ غَايَةَ الفَنَّانِ

مَهْمَا يُزَاوِلْ فَالكَرَامَةُ عِنْدَهُ … هِيَ فِي إِجَادَتِهِ وَفِي الإِتْقَانِ

مَاذَا يَكُونُ سَلِيلُ بَيْتٍ صَالِحٍ … عَالِي المَنَارَةِ بَاذِخِ الأَرْكَانِ

أَلوَالِدُ الشَّيْخُ الرَّئِيسُ وَوُلدُهُ … شَرَوَاهُ فِي أَدَبٍ وَفِي عِرْفَانِ

صَبْراً جَمِيلاً يَا أَخَاهُ وَأَنْتَ مَنْ … بِحِجَاهُ يُدْرِكُ حِكْمَةَ الرَّحْمَنِ

كَمْ فِي القَضَاءِ تَلُوحُ لِلفَطِنِ الَّذِي … وَلِيَ القَضَاءَ وَمَعانِ

وَعَزَاءَكُمْ يَا آلَهُ إِنَّ الَّذِي … تَبْكُونَهُ فِي نِعْمَةٍ وَجِنَانِ

وَعَزَاءَكُمْ يَا مُعْجَبِينَ بِفَضْلِهِ … فِيمَا دَنَا وَنَأَى مِنَ الأَوْطَانِ