أهل بالبين فانهلت مدامعه – ابن دارج القسطلي
أهل بالبين فانهلت مدامعه … وآنس النفر فاستكت مسامعه
وودع المنزل الأعلى فأودعه … في القلب لاعج بث لا يوادعه
يا معهدا لم يضع عهد الوفاء له … مكسف النور عافي القدر ضائعه
ولا ثنى عبراتي عن تذكره … دهر نقارع في صدري قوارعه
حسبي ضلوع ثوت فيها مصائبه … ومقلة ربعت فيها مرابعه
سقاك مثل الذي عفى رباك عسى … ينبيك كيف غريب الرحل شاسعه
صبا كتصعيد أنفاسي وصوب حيا … تريك عبرة أجفاني مدامعه
سح إذا شف صحن الخد ضائره … شفى تباريح ما في القلب نافعه
ألله من وطن قلبي له وطن … يبلى وأبلى وما تبلى فجائعه
لا يسأم الدهر من شوق يطالعني … منه ومن زفرة مني تطالعه
فطالما قصرت ليلي مقاصره … لهوا وما صنعت صبحي مصانعه
وطالما أينعت حولي حدائقه … والعيش غض أنيق الروض يانعه
وكم أظل مقيلي وسط جنته … بكل فرع حمام الأيك فارعه
إن تسعد اليوم أشجاني نوائحه … فكم وكم ساعدت شجوي سواجعه
وكم وفى لي فيه من حبيب هوى … خلعت فيه عذاري فهو خالعه
روض لعين الهوى راقت أزاهره … ومشرب للصبا صابت مشارعه
وكم صدعت فؤاد الليل عن قمر … له هوى في صميم القلب صادعه
خالت فيه عيونا غير هاجعة … والحزم عني غضيض الطرف هاجعه
وفي نجادي جري الإلف مقدمه … وفي عناني مشيح الجذل دارعه
فما تجاوزت قرن الموت معتسفا … إلا وقرني رخيم الذل بارعه
تحيتي منه تقبيل ومعتنق … يشدني غله فيه وجامعه
لم أخلع الدرع إلا حين شققه … عن صفح صدري ما تحوي مدارعه
ولا توقيت سهما من لواحظه … يذيب سيفي وفي قلبي مواقعه
غصن تجرع أنداء النعيم فما … يطوق الدر إلا وهو جارعه
غض القباطي تحت الوشي ناعمها … مخلخل الجيد فوق العقد رادعه
يميس طورا وسكر الدل عاطفه … وتارة وانثناء الوشي لاذعه
فاستفرغ الخصر كثبانا تباعده … وأنبت الصدر رمانا تدافعه
وفي السوالف خوف الصدغ يجرحه … تمثال صدغيه مسكا فهو مانعه
فبت تحت رواق الليل ثانية … والشوق ثالثه والوصل رابعه
والسحر يسحر من لفظ ينازعني … والمسك يعبق من كأس أنازعه
راحا يمد سناها نور راحته … لولا المها لجرت فيها أصابعه
كأنما ذاب فيها ورد وجنته … وشجها ريقه المعسول مائعه
جنى حياة دنت مني مطاعمه … من بعد ما قد نأت عني مطامعه
بقد أنهب المسك والكافور خازنه … وأرخص الورد والتفاح بائعه
فيا ضلال نجوم الليل إذ عدمت … بدر السماء وفي حجري مضاجعه
ويا حنين ظباء القفر إذ فقدت … غزالهن وفي روضي مراتعه
مجال طرفي وما حازت لواحظه … وحر صدري وما ضمت أضالعه
والطرف مرآة عيني أستدل به … على الصباح إذا ما خيف ساطعه
جونا أزيد به ليل الرقيب دجى … ويستثير لي الإصباح لامعه
فبات يعجب من ظبي يصارعني … وقد يحن على ليث أصارعه
وما رأى قبلها قرنا أعانقه … إلا وودع نفسا لا تراجعه
حتى بدا الصبح مشمطا ذوائبه … يطارد الليل موشيا أكارعه
كأن جمع ظلال حان مصرعه … وأنت بالسيف يا منصور صارعه
أو كاشتجار رماح أنت مشرعها … في باب فتح مبين أنت شارعه
جيش يجيش برعد الموت يقدمه … إلى عداك قضاء حم واقعه
صباح بارقة لولا عجاجته … وليل هابية لولا لوامعه
دلائل اليمن في الهيجا أدلته … وأنجم السعد بالبشرى طلائعه
يهدي بهدي لواء أنت عاقده … لله والله بالتأييد رافعه
لموعد غير مكذوب عواقبه … في متجر غير مرجاة بضائعه
مثنى جهاد وصم ضم شملهما … عزم يسايره صبر يشايعه
فلا ظلام قرار أنت ساكنه … ولا نهار مغار أنت وادعه
تهيم في الأرض عن حصن تنازله … وتخرق البيد عن جيش تقارعه
حتى جدعت أنوف الشرك قاطبة … بأنف معقل كفر أنت جادعه
غاب الأسود الذي غر الظلال به … فخادع الله منه وهو خادعه
فإن شجت ثغرك الأقصى مرابصه … فقد شجت أرضه القصوى مصارعه
وإن يرع نازح الأوطان عنك فقد … راع العدى منه يوم أنت رائعه
صبحته من رياح النصر عاصفة … لا تتقي بعدها خسفا بلاقعه
كأن نافخ صور الموت أصعقه … فهد أسواره العليا صواقعه
فمقعص ناشز عنه حلائله … ومرضع ذاهل عنه مراضعه
وهام تحت بروق الموت كل رشا … الليث كافله والليث فاجعه
هذا معانقه يأسا فمسلمه … وذا معانقه إلفا فشافعه
عواطلا أنت حليت الخيول بها … جيشا غدائرها فيه براقعه
أوردتها المصر والأبصار طامحة … لصنع ما لك رب العرش صانعه
والأرض تلبسه طورا وتخلعه … والجسر حامله كرها فواضعه
طود من الخيل أعلاه وأسفله … بحر من السيل ملتج دوافعه
والشمس لابسة منه قناع دجى … واليوم أزهر وجه الجو ماتعه
بيمن حاجبك الميمون طائره … وسعد قائدك المسعود طالعه
أنجبته كاسمه تحيا علاك به … كهل التجارب شرخ العزم يافعه
ساقي الحياة لمن سالمت مطعمها … ذعاف سم لمن حاربت ناقعه
أوفى به في رداء الحلم لابسه … وعله بلبان الحرب راضعه
من أشرقت بسجاياه مقاوله … وأعرقت في مساعيه تبابعه
وقلدته تجيب حلي سابقها … حتى غدا السابق المتبوع تابعه
واحتاز إرث الألى آووا وهم نصروا … باسم يصدقه فعل يضارعه
فإن تضايقت الدنيا بمغترب … فمنذر بعد رحب الصدر واسعه
وإن دجا فلق يوما بذي أمل … فذو الرياسات طلق الليل ناصعه
ومن سواه لمقطوع أواصره … ومن سواه لمردود شوافعه
ومن سواه لخطب جل فادحه … ومن سواه لخرق قل راقعه
ومن يسيم نداه في خزائنه … كأنه في أعاديه وقائعه
واستودع الله للإسلام في يده … مكارما حفظت فيها ودائعه
يا واصلا بالندى ما الله واصله … وقاطعا بالظبى ما الله قاطعه
اسعد بفخر وفطر أنت حاصده … من بر فتح وصوم أنت زارعه
ومشهد للمصلى قد طلعت له … كالبدر مشرقة منه مطالعه
في جيش عز ونصر أنت غرته … وشمل دين ودنيا أنت جامعه
معظم القدر في الأبصار باهره … وخافض الطرف للرحمن خاشعه
وموقف لك في الداعين رفعه … إلى السموات رائيه وسامعه
بك استهل به فصل الخطاب وما … أسر ساجده الداعي وراكعه
وسلموا من صلاة العيد وافتتحوا … إليك أزكى سلام شاع شائعه
جمعا يؤم إليك القصر مستبقا … الحمد قائده والحمد وازعه
حيث المكارم مرفوع معالمها … ونير الدين معمور شرائعه
وتالد الملك محفوظ بخاتمه … من طينة المجد والرحمن طابعه
واسلم لهم ولمن أوفى به أمل … فات المنايا إلى يمناك نازعه
يعلو الجبال بأمثال الجبال أسى … يحدوه جد عثور الجد ظالعه
ورب لجة بحر تحت بحر دجى … قاسى إلى بحرك الطامي ينابعه
ومن شمائلك المعيي بدائعها … في الأرض جاءتك تستملي بدائعه
فلا تواضع قدر أنت رافعه … ولا ترفع قدر أنت واضعه