ياطول غلَّة نفسِي المبلاهِ – ابن الرومي
ياطول غلَّة نفسِي المبلاهِ … بظباء بين أجارع وجِلاهِ
منْ كُلِّ رَيَّا لاتجودُ بشَرْبة ٍ … وجنابُها مُتدفِّقٌ بمياه
تُضْحِي وتُمْسِي يُغب مُحِبُّها … مَلْهَى كرى أو مأثم استنباه
يَحْظَى العميدُ بها ويَسْعد راقداً … ويظَلُّ عند النُّبْهِ في إذلاه
وأبى هوايَ لقد غدا مُسْتَفرِهاً … أعداءَ عقلي أيمَّا استفراه
سُقِيَ الزمانُ إذا الحسانُ يَصِلْنني … ويُنلنني طوعاً بلا إكراه
وإذا المشيبُ شبيبة ٌ منضورة ٌ … وإذ المواعظُ كلُّهُنَّ مَلاه
لا والذي لو شاء بَدَّلَ صَبْوَتي … بلهى ً وطولَ صبابتي بتناه
ماقيل إن مع السمَّاك فضيلة ٌ … إلى تناولها عُبَيْدُ اللَّهِ
ملك حلا مَخْبورُه ورواؤه … فحلا على الأسماعِ والأفواه
عَذْبُ اللسان ولن تراه كليلَه … عضبُ اللسان وليس بالعضَّاه
ناهيك من صَمْتٍ بلا عيٍّ به … وكفاك مِنْ لسَنٍ بغير سِفاه
مُتَيَقِّظٌ أبداً لفعلِ كريمة ٍ … وعلى الطِّلابِ لشكرِها مُتساهي
يَهَبُ الرغيب بِشُكْرِهِ فعُفاتُه … مُتفاكهون وتلكَ حالُ فُكاه
لكنه مع ذَلكمْ مُسْتَنَزهٌ … رَوْضَ المحامِدِ أيَّما استنزاه
مُتَظَلِّلٌ من طَوْله بحدائقٍ … مُتَمَرِّسٌ من حده بعِضاه
وكأَنَّ حُبْوته تُلاث بشامخ … يَنْحطُّ عنه الصخرُ في دَهْداه
ملكتْ سكينتُهُ عليه أمرَه … فكأنه ساهٍ وليس بساهي
وعفا وعامَل بالأَناة ِ عَدُوَّه … فكأنه لاهٍ وليس بلاهي
مِمِّنْ يراه الحَقُّ غِبْطَة َ دولة ٍ … وسعودَ مَمْلكة ٍ وفضلَ إله
فإذا الزمانُ غدا وراح معبِّسا … فزمانه متضاحِكٌ متباه
مازال يُؤْنِسهُ جميلُ فَعاله … قِدْماً ويُوحشه منَ الأشباه
تتعاورُ العَرَبُ الكرامُ وفارِسٌ … ذِكراه بالبَخْباخ والبَهْبَاه
شفعَ السماحُ إليه في سُؤَّاله … فَمرى جداهُ لهم عريضُ الجاه
يَمِّمْهُ إنك منه بين مُثَوّب … بالمُعْطشينَ ومِذْودٍ نَدَّاهِ
يَشْفِي الصَّدَى ويَذُودُ كلَّ مُلِمَّة ٍ … عنا بحزمِ مُفَكِّرٍ بدَّاه
قل للأمير حلَتْ ليالي عُمْرهِ … في غيرِ منقطع ولا متناهي
يامن أمرَّ على الحُلوقِ مذاقُه … وحلا وطاب لألسُنٍ وشفاه
لِيَفُزْ من الأمراء شاهنشاههمُ … بِفَتى ً من الوزراء شاهنشاه
أضحَى وماضاهاه خادمُ سيِّدٍ … وكذاك مالك في الملوك مُضاهي
انظرْ فإنكَ ناظرٌ بجلِيَّة ٍ … هل في وزيرك عن وزيرك ناهي
هل مُلِّكَ الأعداء عند قيامه … إلا تذلُّلَ آنُفٍ وجباه
سَجَدُوا ولو عَنَدُوا مكانَ سجودهمْ … لرَماهُمُ مِنْ كيدهِ بدواهي
إن الوزيرَ إذا تَأَمَّلَ ناظرٌ … لَعَتادُ مُحتاطٍ وتاجُ مُباه
نَمْ كيف شِئْتَ فما البناءُ بخاشع … كلاَّ ولا أسُّ البناء بواهي
ظفِرتْ يداك من الوزير بقيِّم … تأتي نصيحتُه بلا استكراه
أمَّا ظِهارتُه فسلطانيَّة ٌ … وله بطانة ُ مُخْبِتْ أوَّاه
فاسدُدْ يديكَ بخادم من شأْنه … عكْس الرياء إذا تَصنَّع داه
نامتْ على الإنباه أعيُنُ معْشرٍ … ورعاكَ منتبها بلا إنباه
ياصاحبيَّ علا الوزيرُ وأعصفت … صعقاته بالنَّبْحِ والوَهواه
قومٌ على سننِ الطريق وآذِناً … في الصادرين وواردي الأمواه
صانَ الوزارة أحمدٌ عن معشرٍ … خُلِقُوا لِكاسبِ القُوت بالأستاه
كانوا إذا قسطوا فأقسطُ واعظٍ … ظلُّوا هنالك منه في فَهفاه
صانتْه صائنة ٌ تُكافيءُ سَعْيَهُ … وزَهَتْهُ من شرفِ الفَعال زَواهي
وجزَتْ جوازي الخيرِ صاحبَ أمرِه … فهُوَ النَّجاهُ أمام كلِّ تجاه
لا كابن بلبلٍ الدعيَّ وعُصبة ٍ … عَدِمُوا خِلالَ الخيرِ غيرَ هواه
ياسائلي بابنِ اللَّبون وقد ثوى … في النارِ تَطْهاه هُناكَ طواهي
كانَ المُحيَّنَ ذئبَ رَدْهة ِ دَهْرِه … ورجالُ دولتهِ ذئاب رِداهِ
ثم اعتدَى فإذا هُوَ ضَيْغَمُ غابة ٍ … وزهاه من فَرْطِ الجهالة زاهي
فعتا ويَهْيَهَ في الكلامِ تَعارُباً … حتى كنيناه أبا اليهْياه
مُتصامِماً متكامهاً عن ربه … فرماهُ بالإصمام والإكماه
غابَ المُوَفِّقُ فاستراب بغيبهِ … وأتى فصادف منه مِرْجلَ طاهي
ومعانِدُ التقوى مُعِدُّ مغالة ٍ … لخلافة ِ ووقاحة ٍ لوَ جاه
قال المُوفَّقُ إذْ تبين غَوْلَه … قسماً لقد ساهيت غير مساهي
وغدا أبو العباس يطلب ثأره … فرمَى الزمانُ مُداهياً بدواهي
كُفءُ المُخاتِل والمبارز قَسْورٌ … لاينثني للزجر والجَهْجاهِ
ركِبَ الأميرُ قَرا المحجَّة ِ فاهتدى … وطغَى الدَّعيُّ فتاه في أَتْواهِ
لا يَعجَبْن أحَدٌ لخيْبة ِ وجِهِهِ … هل كان عَبداً مُقْرنا بخُذاه
وجهٌ كما للصالحين وما عنى … للصالحين فشاهُ كلَّ مَشاه
ولقد نَهَتْه لو أُعينَ بنَهيهِ … وحِجَى نواهٍ بعدهُنَّ نواه
تَجِهُ الصنيعة ِ والصنيعة ُ حرة ٌ … فثنتْ أعِنتها عن التُّجَّاه
وأتتْ فتى ً ماسارَ سيرة َ تائهٍ … في حِفْظِ نعمتهِ ولا تَيَّاه
إنْ تائهُ جَبَهَ الوجوهَ ببشرِهِ … ولُهَى يديهِ فليس بالجَبَّاه
وترشَّفَتْهُ ولم تكن مكروهة ً … نكهاتُ مِسكٍ عند ذي استنكاه
كَلأَتْه نيتَّهُ التي منْ سُوسها … صِدْق الكَلاءة والقلوبُ سواهي
ورعاهُ معروفٌ يُخامِرُ نَفسَهُ … ويفيضُ عنها والنفوسُ لواهي