يا نعش ما يصنع الفصيحُ؟ – حيدر بن سليمان الحلي

يا نعش ما يصنع الفصيحُ؟ … لم أدرِ ماذا به يبوح

وأيُّ معنى ً إليه يغدو … في وصف معناكِ أو يروح؟

هل فلكٌ أنتِ من علاه … إليه طرف السهى طموح؟

وقد جرت زهرة ُ المعالي … فيه لغربٍ هو الضريح

أو أنتِ نعش به مسجّى ً … جسمٌ لجسم العفاف روح

مناسب الفخر شيعته … والحسبُ الخالص الصريح

سرى على الأرض حاملوه … وهو بأفق السما يلوح

وخلفه والهٌ ثكولٌ … امُّ العلى دمعها سفوح

تطارح الورقَ وهي تدعو … علىم ورقُ الحمى تنوح؟

ما هي والوجد تدّعيه؟ … قلبي لا قلبها الجريح

تضمُّ أضلاعُها حشاها … ولي حشاً ضمَّها الضريح

في طلحِها إلفُها، وإلفى … عن وطني شخصها طليح

أصمَّ فيها النعيُّ سمعي … مذ جاء من فارسٍ يصيح

تلك المفداة ُ ساورتها … شكيَّة ٌ ما لها نزوح

فلم تمرض بذات قربى … لها بشكوى الضنى تبوح

حتى قضت، حيث ما عليها … في غربة البين من ينوحُ

نعم بكت بقعة ٌ تصلّي … فيها وشهبُ السما جنوح

وانتحب «الكاتبان» إذ قد … فاتهما وردُها الصحيح

فليغتد اليوم كلُّ خدرٍ … أعمادٌ أسجافه تطيح

فربَّة ُ الاحتجاب أضحت … حجابُها اللحد والضريح

قد غاض ماءُ الحياء يندى … به ثرى ً نشرُه يفوح

توسدت والعفاف فيه … يضمُّه حبيبُها النصيح

شلَّت أكفُّ الزمان ماذا … من حرم المجد يستبيح

إليه دبَّ الضِراء لمّا … أبدى بأن جاء يستميح

واغتال محجوبة بخدرٍ … يحوطها السؤددُ الصريح

والعزُّ عنه يذلُّ ما لا … يذبّه الفارس المشيح

ومن أبى المصطفى حماه … في منعة ما لها مبيح

ذاك الذي راحتاه كلٌّ … على الورى ديمة ٌ دلوح

بالطبع مستحلبٌ نداه … إن حلب الغاديات ريح

كأنَّ منها البنانَ ضئرٌ … يرتضع الدهرُ ما تميح

مستعذَبٌ جودُه المرّجى … مباركٌ وجهه الصبيح

تقرأ في الوجه منه هذا … خاتم أهل الندى المنوح

لا يشتري الحمدَ بالعطايا … إذ كان من حقه المديح

لكنه مذ نشا إلى أن … من شيبه استكمل الوضوح

يتاجر اللهَ كلَ يومٍ … بما حوتْ كفُّه السموح

حتى لقال الورى جميعاً … هذا هو المتجرُ الربيح

كم ريض للناس فيه أمرٌ … صعبٌ على غيره جموحُ

ينشق طيبُ الفخار محضاً … من عطف عليائه يفوح

أغرُّ يلقى الوفودَ طلقاً … والعامُ في وجهه كلوح

إن ناضل الخصمَ ردَّ فاه … مع أنه الناطقُ الفصيح

لسانه ميّتٌ مسجّى ً … والفم منه له ضريح

ما هو إلا خضمُّ علمٍ … منه ذوو العلم تستميح

بل هو عنوانُ كل فضلٍ … وهم جميعاً له شروح

ونيّرٌ في سماء مجدٍ … بنوه شهبٌ به تلوح

يا من غدا ربعهم وفيه … أمُّ الردى منتجٌ لقوح

ومن صفات الوقار تمتت … فيهم ومنها الحجى الرجيح

تلك التي عنكم استقلَّت … عيسُ المنايا بها تسيح

طوبى لها جاورت ضريحاً … عن جاره ربُّه صفوح

واضطجعت في حمى ضجيعٍ … حميّه «آدمٌ» و«نوح»