يا من زها بسناه صدر النادي – جبران خليل جبران

يا من زها بسناه صدر النادي … وهواه في المهجات والاكباد

حفل الرجال يودعونك راحلا … عنهم وذكرك ملء كل فؤاد

حكموا لقاضيهم وزكوا حكمهم … فزكا بإجماع من الأشهاد

في زينة نظم الوفاء جمالها … ومراده منها أجل مراد

شرفا فما هذا وداع إنه … عيد النزاهة أكرم الاعياد

عيد إلى سعد ارتقائك جامع … كبت العداة وخجلة الحساد

نعم الجزاء لمن وفى بعهوده … ورعى مواثق أمة وبلاد

نعم الجزاء لمن ترقب ربه … في صون أعراض وأمن عباد

نعم الجزاء لمن أضاء برأيه … فجر الصلاح عشية الإفساد

نعم الجزاء لجاعل تصريفه … في الحق فوق الوعد والإيعاد

يا جامع الاضداد أبدع ما التقت … أكذا يكون الجمع للاضداد

أكذا يكون الحكم في ساداته … أكذا يكون البأس في الآساد

أكذا ندى اليد وهو شاف كالندى … أكذا العزيمة وهي قدح زناد

أكذا القضاء فما تكبر شامخ … مغن لديه ولا تطامن واد

أكذا الإدالة في سبيل العدل من … سيف الامير لمنجل الحصاد

بالغت في حب الفقير مبرة … بأخي الشقاء رقيق الاستبداد

ما كان أجدره براع منصف … يرعى خطاه برأفة وسداد

رفقا به وتذكرا لجميله … أو رحمة لشقائه المتمادي

وهو الذي فتح الملوك فتوحهم … بهديتيه ألمال والاولاد

وهو الذي لم تستقل أريكة … إلا على حقويه والاعضاد

وهو الذي لم تبن رفعة أمة … إلا على أيد له وأياد

لكنه قل الشكور ولم تزل … للمرء هذي الدار دار عناد

من ليس يعرف ما عليه وماله … فصفيه ظلما له كالعادي

والحق لا يعلو بغير خصومة … مسموعة الإتهام والإسناد

إن يركب الباغي هواه مطية … فأشد بغيا خضع الاجياد

عجب لعمرك أن تصادف راجلا … يمشي فيتعب وهو رب جواد

وأشد بدعا عز فرد جاهل … أو مرتقى جمع قواه بداد

كل السلامة آية مأخوذة … عن خبرة الآباء والاجداد

ألقوا إلى النخب الكرام قيادكم … لكن خذوا غلواءهم بقياد

يا خادما أوطانه بحصافة … آثارها تبقى على الآباد

كم في الجموع يرى ذكاء شائع … لكن ترى الاخلاق في أفراد

أحكم برأيك مبديء السنن التي … هي في الخلاف منائر الرواد

سيقول من يستها فصلا بها … هذا القضاء قضاه عبد الهادي