يا عيونا تسقي العيون الرحيقا – جبران خليل جبران

يا عيونا تسقي العيون الرحيقا … واصلي مدمنا أبى أن يفيقا

أسكريني على الدوام وأفني … مهجتي أدمعا وعزمي حريقا

تلك خمر الحياة من لم يذقها … مرة ليس بالحياة خليقا

وهي حسن الحياة سعدا وبؤسا … واصطباحا لشربها وغبوقا

أنت يا من سقت فؤادي منها … حر وجد ولوعة وخفوقا

إظلميني ما شاء ظلمك وانهي … آمر الحسن أن يكون شفيقا

عذبيني فقد جنيت على نفسي … وأمسيت بالعقاب حقيقا

فلهذا العقاب عاودت حبي … ولألقاه خنت عهدا وثيقا

رب ليل محير الندم غض … فيه لا يهتدي الضلول طريقا

ضمني مثقلا بهمي كبحر … ضم في جوفه البعيد غريقا

أحسب السرج في حشاه قروحا … وأرى الشهب في سماه حروقا

فيه نامت سعاد نوما هنيئا … وتسهدت مستهاما مشوقا

حيمثا وارتني دجاه غروبا … أبصرتني عين الصباح شروقا

قد تلقيته وكان كثيفا … ثم ودعته وكان رقيقا

رق فانحل فانتفى غير مبق … لي منه إلا خيالا دقيقا

ظل في جانبي نحيلا نحولي … كالشقيق الأبر يرعى شقيقا

أيها النائمون يهنيكم النوم … ولا زال حظي التأريقا

إن يك الساهرون مثلي كثيرا … فسعاد أسمى وأسنى عشيقا

فاتني من جمالها الوجه طلقا … لا يباهى والقد لدنا رشيقا

فاتني عقلها الذي يبدع الخاطر … روحا وهيكلا وعروقا

فاتني نظمها القريض فما تنظم … عقدا في جيدها منسوقا

فاتني لطفها الذي ينعش الوجد … ولو شاء أنعش التوفيقا

ويقيم الآمال في النفس كالنور … يحيل البذور زهرا أنيقا

فتن قيدت بهن فؤادي … وأراني إذا شكوت عقوقا

كل مستأسر يود انطلاقا … وشقائي بأن أكون طليقا